قال الشيخ محمد علي فركوس –حفظه الله- عن مسألة تحنيك المولود :
" ...لكن هذه الأحاديث –على الصحيح –إنما تدل على مشروعية التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وريقه ولعابه ...وهو أمر مجمع عليه , غير أنه ليس فيها دلالة على جواز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم , إذ لم ينقل حصول هذا النوع من التبرك من الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا في مماته, وقد كان فيهم الخلفاء الراشدون وبقية العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم , وهم أفضل القرون لاعتقادهم اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا التبرك دون سواه , وقد أثبت الشاطبي إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك التبرك فيما بينهم حيث يقول : " وهو إطباقهم -أي الصحابة- على الترك؛ إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده أو عملوا به ولو في بعض الأحوال إما وقوفًا على أصل المشروعية وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للإمتنـاع" الاعتصام للشاطبي (2-10).
وقال – رحمه الله – في موضع آخر: " فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة" المصدر السابق: (2/9) وعليه فإنّ القول بجواز التبرك بريق الصالحين ولعابهم من جهة التحنيك هو القول بجواز التبرك بذوات وآثار الصالحين قياسًا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أنّ مثل هذا القياس فاسد الاعتبار لمقابلته للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في تركهم لهذا الفعل مع غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ثمّ إنّ القول بجواز التبرك بآثار الصالحين يقضي بطريق أو بآخر إلى الغلو في الصالحين وعبادتهم من دون الله سبحانه، فوجب المنع من ذلك سدّا لذريعة الشرك. "
[أجوبة فقهية ضمن سلسلة ليتفقهوا في الدين :40 سؤالا في أحكام المولود لأبي عبد المعز محمد علي فركوس].
تـسمية المولود
قيل الاسم : مشتق من الوسم، بمعنى : العلامة، ولهذا قيل له : اسم، لأنه يسم من سمي به ويعلم عليه، وهذا في القرآن الكريم كثير، كما قال الله تعالى : { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } وقيل : من السمو بمعنى : العلو.
.. فحقيقة الاسم للمولود : التعريف به، وعنونته بما يميزه على وجه يليق بكرامته آدمياً مسلماً." ...." وإن حسن الاختيار يدل على أكثر من معنى، فهو يدل على مدى ارتباط الأب المسلم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومدى سلامة تفكيره من أي مؤثر يصرفه عن طريق الرشد والاستقامة, والإحسان إلى المولود بالاسم الحسن... " (1).
متى يُسمى المولود
يستحب تسمية المولود يوم السابع لما ثبت عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق (2)، قال رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم َ: " كُلّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِه،ويسمى فيه وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ " (3).
لكن تجوز تسميته حين يولد لما ورد عن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ " (4) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (5).
وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل قَالَ أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ فَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيْنَ الصَّبِيُّ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا اسْمُهُ قَالَ فُلاَنٌ قَالَ وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ" (6).
وهذه الأحاديث تدل على جواز تسمية المولود يوم ولادته والأفضل تأخيرها إن قدر إلى يوم سابعه للسنة القولية" (7).
_______________
التسمية حق للأب
" لا خلاف بين الناس أن التسمية حق للأب دون الأم لأن الولد ينسب إليه وهو أحق بتسميته , وكما تجب على المولود له النفقة والتعليم والعقيقة وغيرها فالتسمية تكون له , لذلك يدعى الخلق يوم القيام بآبائهم لا بأمهاتهم , وإنما يتبع أمه في الحرية والرق واللعان والزنى وفي غيرها من المسائل المعروفة في الفقه ". [(40 سؤالا في أحكام المولود ص 59) للشيخ فركوس]
" وليس للأم حق منازعته، فإذا تنازعا فهي للأب. وبناءً على ذلك فعلى الوالدة عدم المشادة والمنازعة، وفي التشاور بين الوالدين ميدان فسيح للتراضي والألفة وتوثيق حبال الصلة بينهم.
كما أنه ثبت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعرضون موالديهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيسميهم، وهذا يدل على أن على الأب عرض المشورة في التسمية على عالم بالسنة أو من أهل السنة يثق بدينه وعلمه، ليدله على الاسم الحسن بمولوده". [(تسمية المولود للشيخ بكر أوب زيد (ص 12)]
ضوابط تسمية المولود
أفضل الأسماء
عن أبي وهب [الجشمي] - وكانت له صحبة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسموا بأسماء الأنبياء وأحب لأسماء إلى الله عز وجل: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث، وهمّام، وأقبحها : حربٌ: حربٌ، ومرّة".
قال العلامة الألباني:
صحيح دون "جملة الأنبياء" [انظر صحيح الأدب المفرد (1-305)]
وعن جابر قال: ولد لرجل منا غلامٌ فسماه : القاسم، فقلنا : نكنيك أبا القاسم ولا كرامة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "سم ابنك عبد الرحمن". [صحيح الأدب المفرد للشيخ الألباني(1-305)]
قال القرطبي:
يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية.
ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة.
وقال غيره:
الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله تعالى غيرهما، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} وقال في آية أخرى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} ويؤيده قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} " [فتح الباري لابن حجر العسقلاني (10-570)]