عاصمة الحديد والنار
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي الزائر سلام الله عليك
مرحبا بك في منتديات عاصمة الحديد والنار وحبابك الف في عطبرة
هذه الرسالة تدل علي انك غير مسجل لدينا , فإن كنت عضوا تفضل بالدخول وإن لم تكن عضوا تفضل بالتسجيل بعد قراءة قوانين المنتدى الموجودة هنا :
http://atbara.forumn.org/t1-topic#1
وللتسجيل في منظمة عطبرة الخيرية تفضل بقراءة هذه المعلومات :
http://atbara.forumn.org/t6330-topic

ولك التحية
عاصمة الحديد والنار
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي الزائر سلام الله عليك
مرحبا بك في منتديات عاصمة الحديد والنار وحبابك الف في عطبرة
هذه الرسالة تدل علي انك غير مسجل لدينا , فإن كنت عضوا تفضل بالدخول وإن لم تكن عضوا تفضل بالتسجيل بعد قراءة قوانين المنتدى الموجودة هنا :
http://atbara.forumn.org/t1-topic#1
وللتسجيل في منظمة عطبرة الخيرية تفضل بقراءة هذه المعلومات :
http://atbara.forumn.org/t6330-topic

ولك التحية
عاصمة الحديد والنار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اهلاً وسهلاً وحبابك عشرة بلا كشرة يا زائر فى منتديات عطبرة عاصمة الحديد والنار
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 الحجاجون والجبيريون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:44 am

ماأكثر الحجاجون فى الأرض يا إبن جبير


قصة المشهد الأخير بين الحجاج بن يوسف الثقفي والعالم التابعي المشهور سعيد بن جبير وهو المشهد الذي انتهى بإعدام سعيد جبير.
لقد أثار حيرتي حقا إصرار العلماء والوعاظ على الاكتفاء بالاستشهاد المستمر بقصة المشهد الأخير بين الحجاج وسعيد بن جبير ، وهو حقا المشهد الأخير في علاقة بين الرجلين استمرت منذ عام 75 هـ حين صار الحجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق وانتهت بتلك المحاكمة التاريخية في يوم من أيام شعبان عام 95هـ
ولست وأنا الرجل المسلم العادي في مقام المعارضة لهؤلاء العلماء ، ولكن مما شك فيه أن قصة الحجاج وسعيد بن جبير تصلح حقا نموذجا للعلاقة بين العالم الفقيه ورجل السلطة التنفيذية الذي يجد نفسه مطالبا بالحفاظ على الأمن القومي أو أمن الدولة.
تعالوا معي نستعرض قصة الحجاج وسعيد بن جبير من بدايتها حتى نهايتها وفقا للتسلسل الزمني للأحداث.
وقبل أن أسترسل أوضح أني مسلم عادي جدا لا يملك من أدوات البحث سوى معرفته بتقنيات العصر وإدراكه أن نعم الله تعالى علينا لا تعد ولا تحصى ، ومنها أننا نعيش في عصر المعلومات بكل ما فيه من أدوات البحث عن المعلومة .
وأستعرض أمامكم الوقائع باستخدام برنامج الموسوعة الشاملة الذي أقول في كل مرة : جزى الله خيرا من قام بتصميمه وحشوه بكل هذه الآلاف من الكتب.
تبدأ القصة بين الرجلين ( الحجاج وسعيد بن جبير) منذ عام 10 هـ قبل مولد الحجاج بثلاثين عاما باستعراض الخلفيات الأسرية لرجل ثالث لا يمكننا فهم قصة الحجاج وسعيد بن جبير إلا بعد دخوله بينهما : رجل يدعى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.
ففي سنة 9 هـ - 10هـ أسلم الأشعث بن قيس الكندي جد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وروي أن قيس بن معدي 80 كرب أبا الأشعث بن قيس وبناءا على بعض المصادر فقد كان يهوديا (المناقب المزيدية في أخبار الملوك) ، وكان الأشعث ملكا في قومه كثير المال عظيم الشرف.
في خلافة أبي بكر الصديق سنة 12 هـ ارتد الأشعث بن قيس وصار مؤذنا للمتنبية سجاح بنت الحارث التميمية ثم عاد للإسلام معتذرا فقبل أبو بكر الصديق عودته وعفا عنه و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة ، وقيل أن أبي بكر الصديق عند موته عام 13 هـ ندم على عدم قتله للأشعث بن قيس وقال ( .... فليتني قدمت الأشعث بن قيس تضرب عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شيئاً من الشر إلا أعان عليه) (تاريخ اليعقوبي)
وخلال سنوات الفتن والحروب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان يبرز كثيرا اسم الأشعث بن قيس بصفته من أنصار علي بن أبي طالب ، وبعد التحكيم يبرز الأشعث بن قيس كصاحب مواقف مستقلة في كثير من الأحيان من علي بن أبي طالب لدرجة الإرهاق ، ولدرجة صار فيها من المتهمين في المشاركة في مؤامرة قتل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بواسطة عبد الرحمن بن ملجم.
ففي مقاتل الطالبيين : ...... في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب علياً. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.(مقاتل الطالبيين)
وفي نفس العام الذي قتل فيه سيدنا علي بن أبي طالب (40هـ) العام كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي (بغية الطلب في تاريخ حلب)
من أخت أبي بكر الصديق أنجب الأشعث بن قيس ابنه محمد ، وله ابنة أخرى هي الجعدة بنت الأشعث بن قيس تزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب ، وحين مات الحسن عام 50 هـ اتهمت الجعدة بأنها قامت بتسميمه ، وهي تهمة ليس هنا مقام تأكيدها أو نفيها حتى لا نخرج عن مسارنا.
أما محمد بن الأشعث فقد صار من المقربين في الكوفة من الوالي عبيد الله بن زياد في الفترة التي شهدت مأساة كربلاء ومقتل الحسين بن علي عام 61 هـ ، وأنجب محمد بن الأشعث ابنه عبد الرحمن وهو الذي ستدور الأيام ويصير قائد أخطر تمرد ضد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق وسيشاركه في ذلك التمرد : سعيد بن جبير .
في أواخر عام 60هـ والحسين بن علي بن أبي طالب يتأهب للسير إلى الكوفة ناويا الخروج على الأمويين أرسل رسولا يسبقه للكوفة لأخذ البيعة من أهل العراق وكان هذا الرسول ابن عمه مسلم بن عقيل ، وفي الكوفة وبعد أن بايع الآلاف من أهل الكوفة مسلم بن عقيل على نصرة الحسين ، استطاع والي الكوفة عبيد الله بن زياد القضاء على التحرك في مهده ، وأضطر مسلم بن عقيل للبحث عن مكان يتوارى فيه في انتظار فرصة يتسلل فيها خارجا من الكوفة حتى يذهب ويوقف موكب الحسين بن علي من التقدم للعراق .
ولكن استطاع عبيد الله بن زياد والي الكوفة اعتقال مسلم بن عقيل ، وكان الفضل في ذلك يعود إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
ويقص علينا صاحب مقاتل الطالبيين المشهد الذي أدى لاعتقال مسلم بن عقيل قائلا : ( وأقبل محمد بن الأشعث فقال ( عبيد الله بن زياد): مرحباً بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه.
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال (محمد بن الأشعث): أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة ، وألقي القبض على مسلم بن عقيل وقتل).(مقاتل الطالبيين) ، وكانت هذه الوشاية من أهم الأسباب التي أدت إلى النكبة التي حلت بالحسين وأهل بيته في كربلاء.
هذه هي بداية ظهور عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس والذي سنعلم لاحقا دوره في النكبة التي حلت بسعيد بن جبير على يد الحجاج.
ونواصل إن شاء الله تعالى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:47 am

الحلقة (2)
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يواصل تأسيس شخصيته التصادمية
قتل الحسين بن علي في كربلاء في محرم سنة 61هـ ، وأوضحنا كيف أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لعب دورا في تلك الحادثة بكشفه مكان تواري مسلم بن عقيل مبعوث الحسين ، وهو دور لا يمكن تفسيره إلا في إطار السعي للحصول على مكانة له ولأبيه لدى والي العراق حينها عبيد الله بن زياد ، فالمتوقع منه كان عكس ذلك ، لأن جده الأشعث بن قيس كان من أنصار علي بن أبي طالب ، وعمته الجعدة بنت الأشعث كانت زوجة للحسن بن علي مهما تناولتها الألسن بعد موته عام 50 هـ .
موقف آخر يقودنا نحو فهم أعمق لشخصية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
وهو موقفه حين قام وبعد انتهاء فتنة المختار والتي يسميها الشيعة ثورة المختار ، بتحريض مصعب بن الزبير على قتل المستسلمين من أصحاب المختار جميعا .
فمن تداعيات مقتل الحسين بن علي في كربلاء وهي كثيرة كانت ثورة المختار بن عبيد الثقفي وهي ثورة أخرجت عبيد الله بن زياد من العراق .
وكان المختار الثقفي عقب وفاة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية قد أعلن ثورة في العراق ضد بني أمية في محاولة لتأسيس دولة يدعي موالاتها لأهل البيت ويدعي فيها تبعيته لمحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب الذي كان كبير أهل بيت علي في ذلك الوقت.
سعى المختار لتأسيس دولته الجديدة اصطدم بمشروع خلافة أعلنه عبد الله بن الزبير بن العوام انطلاقا من مكة المكرمة وأرسل في سياقه أخيه مصعب بن الزبير واليا على العراق فكان الصدام حتميا بين الرجلين بينما ظل الخليفة مروان بن الحكم الأموي رابضا في دمشق ينتظر نتيجة الصدام بين الرجلين.
وفي تلك المرحلة نرى محمد بن الأشعث وولده عبد الرحمن ينحازان إلى جانب مصعب بن الزبير في حرب كان لا بد لها أن تنشب بين دولة عبد الله بن الزبير وعاصمتها مكة ومشروع دولة المختار التي تسعى لتأسيس نفسها انطلاقا من العراق.
وفي سنة 67 هـ قتل محمد بن الأشعث والد عبد الرحمن في قتال مصعب بن الزبير ضد المختار بن عبيد الله الثقفي ، و انتهت الحرب بانتصار مصعب بن الزبير ، وقتل المختار ، وبعد قتله المختار استسلم أصحابه لمصعب بن الزبير ، وخرجوا إلى مصعب وأصحابه على حكمهم ، فأمر بهم فكتفوا وقدموا إلى مصعب.
تقدم قائد المستسلمين من أصحاب المختار بجير بن عبد الله المسلي مخاطبا مصعب بن الزبير فقال: ( الحمد لله الذي ابتلانا بالأسر ، وابتلاك ومن معك بأن تعفوا وتقسطوا ، وهما منزلتان: إحداها لله رضى ، والأخرى له سخط ، ومن عفا عفا الله عنه ، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير ! نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ولسنا بالترك ولا بالديلم ، لم نعد أن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا، فأما أن نكون أصبنا و أخطئوا، وإما أن يكونوا أصابوا وأخطأنا، فاقتتلنا بيننا كما اقتتل أهل الشام واختلفوا ثم اجتمعوا، وكما اقتتل أهل البصرة ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فأسجحوا، وقدرتم فاعفوا) فما زال بجير بن عبد الله المسلي بهذا القول ونحوه حتى رق له الناس ورق له مصعب بن الزبير.
هنا وثب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال : ( قتل أبي وعمي وخالي وأشراف أهل مصري ثم نخلي سبيلهم، اخترنا أو اخترهم )، ووثب عدة فتكلموا بمثل كلامه، فلما رأى ذلك مصعب بن الزبير أمر بقتلهم.
هكذا قام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بإفشال ذلك العفو وتسبب في قيام مصعب بن الزبير في إعدام ما لا يقل عن أربع آلاف مستسلم .
ما سبق خلفيات ضرورية عن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس تساعدنا في فهم الشخصية التي ستقود يوما ما جيشا من أهم جيوش الجهاد التي جهزها الحجاج بالرجال والتمويل وارتبط بها سعيد بن جبير وتسببت في نكبته بدءا من عام 81هـ.
وبعد مقتل المختار جاء الدور على قتال آخر كان لا بد له أن يحدث وهو القتال على استعادة السيطرة على العراق من قبل الخلافة الأموية وعاصمتها دمشق وبين والي خلافة عبد الله بن الزبير وعاصمتها مكة ، وهو قتال انتهي بقتل مصعب بن الزبير في العراق وقتل عبد الله بن الزبير في مكة بواسطة الحجاج والذي صار بعده الحجاج واليا على مكة لمدة خمس أعوام جاء بعدها واليا على العراق عام 75 هـ
.
وهكذا التقت في الكوفة سنة 75 هـ الشخصيات الثلاث : الحجاج بن يوسف الثقفي ، وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
الأول بصفته واليا ، والثاني بصفته عالما محدثا والثالث لا نعرف له صفة غير أنه من أولاد البيوت المرموقة بمجتمع الكوفة وذلك من خلال الخلفيات التي سردناها عنه في الحلقة رقم وهو بالتالي قريب من الوالي المعين من قبل الخليفة أيا كان هذا الخليفة و أيا كان هذا الوالي .
وفي الكوفة والحجاج بن يوسف الثقفي يبدأ في مباشرة مسئولياته ، نستعرض علاقة الحجاج بن يوسف الثقفي بكل من سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
أولا : علاقة الحجاج بسعيد بن جبير وخلفيات عن سعيد بن جبير لا بد منها
سعيد بن جبير وعبد الله بن عباس (حبر الأمة)
ولد سعيد بن جبير سنة 45 هـ ، واكتسب شهرته قديما وحديثا بصفته تلميذا نجيبا وملازما لعبد الله بن عباس حبر الأمة وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن عبد الله بن عباس أكتسب سعيد بن جبير علمه وأهميته ، وإذا قام المرء اليوم باستخدام أية من أدوات المعلومات في عصرنا مثل الموسوعات الإلكترونية وأدخل فيها اسم سعيد بن جبير فسيحصل على نتائج بحث بالمئات عن مرويات سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في مختلف أبواب العلم : تفسير القرآن ، السنة ، السيرة ، وغيرها.
فيكفي على سبيل المثال أن تقوم بإدخال إسم سعيد بن جبير في موسوعة الحديث النبوي لتحصل على فوق الألف حديث نبوي في سندها في سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في أغلب الحالات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:49 am

ولا نستطيع أن نحدد على وجه الدقة مدى التحق سعيد بن جبير ملازما لعبد الله بن عباس لكننا يمكن أن نقدر أن ذلك تم وعمره في حدود الخامسة عشرة عاما ، والذي يدعونا للاعتقاد بذلك هذه الرواية : عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس- وذلك قبل أن يخرج وجهي : أتزوجت يا ابن جبير؟ قلت: وما أريد ذلك يومي هذا. قال: أما إنه سيخرج ما كان في صلبك من المستودعين.(إتحاف الخيرة المهرة) ، وعبارة قبل أن يخرج وجهي تعني : قبل أن ينبت شعر لحيتي ، ولا يكون ذلك لمن هو أكثر من ستة عشرة من الأعوام والله أعلم .
توفي عبد الله بن عباس سنة 69هـ وكان عمر سعيد بن جبير حينها 25 عاما فقط ، أحذف منها سنوات الطفولة والصبا الباكر حتى 15 عاما مثلا (، ستجد أن سعيد بن جبير عاصر عبد الله بن عباس في سنوات الفهم والاستيعاب لمدة 10 سنوات تقريبا ، إلا أنه يلاحظ أن عبد الله بن عباس كان إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول أليس فيكم سعيد بن جبير (إسعاف المبطأ) ، وهذا يعني أن سعيد بن جبير انتقل في السنوات الأخيرة من عمر عبد الله بن عباس للكوفة ولم يعد مرافقا له.
إلا أن سعيد بن جبير حضر وفاة عبد الله بن عباس في الطائف ، فعن سعيد بن جبير قال : (مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على خلقته فدخل في نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)).(ذخائر العقبى)
وفي الكوفة حين حضرها الحجاج بن يوسف واليا سنة 75 هـ ، عامل الحجاج سعيد بن جبير معاملة محترمة وقربه إليه وحاول أن يخترق في سبيل ذلك تعصبا عروبيا كان فاشيا في مجتمع الكوفة يقف حجرة عثرة أمام سعيد بن جبير من احتلال مكانته العلمية التي يستحقها لا لشيء إلا لأنه كان أسود اللون حبشي الأصل ، فأراد تعيينه قاضيا للكوفة ولما رأى معارضة له قام بتعيينه مساعدا للقاضي وأوصى قاضي الكوفة ألا يقضي أمرا دون الأخذ برأيه.
وكان سعيد بن جبير يكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود حيث كان على قضاء الكوفة ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود كان قاضيا على الكوفة منذ فترة خلافة عبد الله بن الزبير التي امتدت لمدة تسع أعوام ، فها هو سعيد بن جبير يقص قائلا : ( كنت جالساً عند عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة حتى إذ جاءه كتاب ابن الزبير: سلام عليك أما بعد. فإنك كتبت تسألني عن الجد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً من دون ربي لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار، وجعل الجد أباً، فأحق من أخذنا به قول أبي بكر رضي الله عنه.)(مختصر تاريخ دمشق)
وهذا معناه أن بني أمية حين قضوا على خلافة عبد الله بن الزبير لم يغيروا في وظائف كبار المسئولين في الكوفة لمجرد أنهم شغلوها خلال فترة عبد الله بن الزبير ، ثم جاء الحجاج واليا فاستمر سعيد بن جبير على نفس الدرجة من الاحترام إلى أن قام الحجاج بتعيين أبى بردة بن أبى موسى قاضيا على الكوفة (الثقات لابن حبان) وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً ( عيون الأخبار)
وفي الحقيقة أن الحجاج أراد تعيين سعيد بن جبير قاضيا قبل ذلك ولكن واجهه الرفض المبني على العصبية فتلافاه بتعيين سعيد بن جبير مساعدا للقاضي بردة بن أبي موسى
ثم قام الحجاج بتقريب سعيد بن جبير وجعله من جلسائه ، ولا بد أن هذه المسألة لها قيمة معنوية كبيرة .
وسيأتي يوم عام 95هـ يقوم فيه الحجاج بتذكير سعيد بن جبير بكل هذه المعاملة.
هذا عن علاقة الحجاج بسعيد بن جبير عند بداية توليه لمنصب والي العراق بالكوفة ، فماذا عن علاقة الحجاج بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي البطل الخفي المنسي لمأساة سعيد بن جبير ؟
نواصل إن شاء الله تعالى
******************

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:51 am

الحلقة (3)
ثانيا :علاقة الحجاج بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
بدأ الحجاج فور وصوله الكوفة عام 75هـ في التصدي للخوارج الأزارقة.وفي عام 76هـ نشاهد وللمرة الأولى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس في موقع قيادي قائدا من قواد الحجاج مكلفا بقتال الخوارج بزعامة الخارجي المشهور شبيب وزوجته غزالة وفي هذه المهمة العسكرية الأولى فشل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في المواجهة ونكث عن قتال شبيب الخارجي بصورة تدعو للارتياب لا نريد الاستغراق في تفاصيلها حتى لا نخرج عن السياق.
كان شبيب الخارجي مقاتلا شرسا وكانت تقاتل معه زوجته غزالة ، وفي وقت من الأوقات استطاع شبيب وزوجته غزالة اقتحام الكوفة وسيطروا عليها لفترة من الزمن وذلك بقوة صغيرة ، حتى قال أحد الشعراء (عمران بن حطان السدوسي) شعرا يهزأ فيه بالحجاج بن يوسف :
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ... فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... ... بل كان قلبك في جوانح طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس ... ... تركت مناظره كأمس الدابر ( تاريخ خليفة بن خياط)
وقد وجه الحجاج بن يوسف الثقفي الجيوش التالية لقتال شبيب الخارجي فهزمت كلها وقتل قادتها ما عدا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
وجه الحجاج الجيوش التالية (دون مراعاة للترتيب الزمني)
1) جيشا بقيادة زائدة بن قدامة الثقفي في جمع فالتقوا بأسفل الفرات فقتل زائدة
2) جيشا بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فلم يقاتله
3) جيشا بقيادة عثمان بن قطن الحارثي فالتقوا في ذي الحجة في سنة ست وسبعين فقتل عثمان بن قطن وانهزم أصحابه
4) جيشا بقيادة عتاب بن ورقاء الرياحي إلى شبيب فلقيه بسواد الكوفة فقتل عتاب وانهزم أصحابه
5) جيشا بقيادة الحارث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي والتقوا بزرارة فقتل الحارث وانهزم أصحابه
6) جيشا بقيادة أبا الورد مولى بني نصر فقتله شبيب
7) جيشا بقيادة طهمان مولى عثمان فقتله شبيب
Cool فخرج إليه الحجاج بنفسه فأزال شبيبا عن مسجده واقتتلوا قتالا شديدا وقتلت غزالة . فلما جن الليل عبر الفرات وقطع الحجاج الجسر
9) جيشا بقيادة حبيب بن عبد الرحمن بن زيد الحكمي في ثلاثة آلاف فلقي شبيبا بالأنبار فصبر الفريقان حتى حجز الليل بينهم وسار شبيب
10) في الأهواز وكان بها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله فتعرض لقتال شبيب وسأل المبارزة فخرج إليه شبيب فقتله
11) ومضى شبيب إلى كرمان فأقام نحوا من شهرين ثم رجع إلى الأهواز فبعث الحجاج حبيب بن عبد الرحمن بن زيد الحكمي وسفيان بن برد الكلبي فلقيهم شبيب على جسر دجيل فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم ثم غدا شبيب فلما صار على الجسر قطع الجسر فغرق شبيب واستخلف البطين فطلب البطين الأمان فأمنه سفيان ثم قتله الحجاج بعد وأقام الحج أبان بن عثمان بن عفان ( تاريخ خليفة بن خياط)
إحدى عشرة معركة غطت معظم مناطق العراق ، وقتل فيها سبعة من قادة الحجاج بن يوسف ونجا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لأنه نكص عن القتال ، فكيف تم ذلك النكوص ؟
دعا الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وأمره أن يسير في طلب شبيب أين كان، ففعل ذلك وسار نحوه، وسار عبد الرحمن إلى المدائن فعسكر فيها مؤقتا ثم سار في طلب شبيب إلى أن وصل إلى الموصل شمالا
هنا توقف عبد الرحمن وقال : هذه التخوم أرض الموصل فليقاتلوا عنها.
إن قول عبد الرحمن هذه التخوم معناها أنه قد وصل إلى حدود ولاية العراق التي كانت تحت السلطة الإدارية للحجاج ، وأن أرض الموصل لم تكن تابعة إداريا للحجاج وبالتالي فإنه يتعلل بعدم الاستمرار في ملاحقة شبيب بأنه قد خرج من نطاق سلطة أو صلاحيات الحجاج الإدارية بلغة اليوم إذا جاز التعبير.
فكتب إليه الحجاج يذكره أنها كلها تابعة لسلطة أمير المؤمنين في دمشق قائلا: أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه، فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده والسلام.(الكامل في التاريخ)
في هذه الأثناء كان عيد النحر قد اقترب فأرسل شبيب الخارجي إلى عبد الرحمن يقول: إن هذه الأيام عيد لنا ولكم، فهل لك في الموادعة حتى تمضي هذه الأيام؟ فأجابه إلى ذلك، وكان يحب المطاولة ، وكتب عثمان بن قطن إلى الحجاج يخبره بهذا التباطؤ وهذه المسالمة المريبة بين عبد الرحمن وشبيبا الخارجي فلم يفعل الحجاج شيئا أكثر من أن عزل عبد الرحمن عن قيادة الجيش وولى عثمان بن قطن مكانه (الكامل في التاريخ) ، واستمرت المطاردة بين الفريقين والمناوشات وفي واحدة منها انقلبت الدائرة على جيش الحجاج وقتل عثمان بن قطن ، ونجا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بأعجوبة ، ولجأ عبد الرحمن إلى دير يقال له دير البقار
وهنا تم رصد الحدث التالي : بات عبد الرحمن بدير البقار، فأتاه فارسان فصعدا إليه، فخلا أحدهما بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث طويلاً ثم نزل فتبين أن ذلك الرجل كان شبيباً الخارجي !!، وقد كان بينه وبين عبد الرحمن مكاتبة ، وسار عبد الرحمن حتى أتى دير أبي مريم، فاجتمع الناس إليه وقالوا له: إن سمع شبيب بمكانك أتاك فكنت له غنيمة.
هذه الرواية توضح أن موقف عبد الرحمن من شبيب الخارجي كان به نوع التخاذل يقرب من التواطؤ ، فهل حاسبه الحجاج على ذلك النكوص ؟ لا لم يحاسبه ، بل تجاوز عن كل ذلك ، واختبأ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في الكوفة فترة من الوقت من الحجاج حتى أخذ له الأمان منه.(الكامل في التاريخ) (تاريخ الرسل والملوك)
ولا نجد في ما بين أيدينا من مصادر كيف تحصل عبد الرحمن على العفو من الحجاج ، كل ما نعلمه حتى الآن أن شبيبا الخارجي قتل في نهاية المطاف غرقا في إحدى المعارك وانكسرت شوكة الخوارج إلى حين ، ووجد الحجاج فرصة الالتفات إلى مهامه الأصلية وهي توجيه الجيوش شرقا للجهاد والفتوحات.
الجهاد شرقا:
في سنة 78هـ وجد الحجاج بن يوسف الفرصة قد حانت لتوجيه قوة المسلمين لجهاد الكفار فقرر أن يوجه جيشا لقتال رتبيل ملك السند وموقعها حاليا في كشمير وأجزاء من أفغانستان حتى كابل الحالية .
وبلاد السند قسمان، قسم على جانب البحر، ويقال لتلك البلاد اللان، ومن مشاهير مدن هذا القسم المولتمان والمنصورة والدبيل، والمسلمون غالبون على هذا القسم.
والقسم الثاني في البر إِلى جانب الجبل، وبلاده كثيرة الوعر، ويقال للبلاد التي في هذا القسم القشمير (كشمير)، وهي في أيدي الكفار، وأهلها يعبدون الأوثان مثل الهنود، وكل ملك من ملوك السند يقال له رتبيل.(المختصر في أخبار البشر)
وتوضح الخارطة التاريخية أسماء البلدان في ذلك الزمن وتوضح أيضا أن إرسال الجيوش لم يكن نزهة بل كان يتطلب قطع آلاف الأميال للوصول إلى الهدف المنشود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:52 am

الحجاجون والجبيريون J75js9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:53 am

أرسل الحجاج إلى رتبيل سنة 78هـ جيشاً بقيادة عبيد الله بن أبي بكرة ، وأمره الحجّاج أن يتوغل في بلاد رتبيل وأن يدك حصونهم وقلاعهم، ففعل ما أمر به الحجّاج، وتمكن من هزيمة رتبيل واجتياح بلاده وغنم غنائم كثيرة ولكن رتبيل أخذ في التقهقر فأطمع المسلمين في اللحاق به حتى وصلوا قريباً من مدينته العظمى، عند ذاك بدأ الترك يغلقون على المسلمين الطرق والشعاب وحصروهم وقتل عامة جيش المسلمين.
وفي سنة 79 هـ قرر الحجاج أن يرسل جيشا عرمرما آخر لقتال رتبيل ملك السند واختار عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس لقيادة ذلك الجيش .
واختار الحجاج بن يوسف الثقفي سعيد بن جبير مسئولا عن النفقات ، وبلغة عصرنا : مسئولا ماليا عن الجيش .
وكان هذا الاختيار الغير موفق لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لقيادة ذلك الجيش بداية لأسوأ نكوص وتمرد في تاريخ الدولة الأموية ، نكوصا وتمردا كلف المسلمين عشرات الآلاف من القتلى بينهم ، وسنرى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى كيف تم ذلك وما هو دور سعيد بن جبير في ذلك التمرد.
ونواصل إن شاء الله تعالى
******************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:54 am

الحلقة (4)
تمرد جيش الطواويس
لم يكن اختيار الحجاج لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لقيادة الجيش موفقا ، خاصة بعد أن جربه في قتال الخوارج ، إضافة إلى خلفيات السيرة الذاتية لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس التي لم يكن مثل الحجاج ليجهلها بكل تأكيد ، فما هو السر في هذا الاختيار ؟
على كل ، حدث ما حدث وكان أمر الله مفعولا ، واجتهد الحجاج في تمويل وتزويد الجيش بكل ما يحتاجه ، و سمي ذلك الجيش جيش الطواويس لحسن تجهيزه.
إعداد جيش الطواويس بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
أولا : استأذن الحجاج من عبد الملك بن مروان في أن يبعث جيشاً كبيراً بلغ عدده أربعين ألف مقاتل من أهل الكوفة وأهل البصرة وأنفق عليه ألفي ألف (مليونين) سوى أعطيات المقاتلين وبالغ في تجهيزه بالخيول الروائع والسلاح الكامل (الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار) ولهذا سمي الجيش بجيش الطواويس لحسنه (الكامل في التاريخ)
ثانيا : قام الحجاج بتعيين سعيد بن جبير مسئولا عن مالية الجيش وأعطيات الجنود ، وهذا يعني أن سعيد بن جبير كان المدير المالي لذلك الجيش ، إضافة إلى أن تعيينه الذي جاء من قبل الحجاج مباشرة يعطيه نوعا من الاستقلالية عن قائد الجيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فلو كان تعيينه في هذا المنصب المهم قد جاء بواسطة قائد الجيش لكان سهلا عليه أن يعزله متى شاء كما قام بتعيينه ، وهذا أمر بديهي في علوم الإدارة قديما وحديثا.
وما من شك أن قائدا مثل الحجاج حين كان يختار سعيد بن جبير للإشراف على مالية الجيش كان يضع في اعتباره المكانة الأدبية والعلمية لسعيد بن جبير تلميذ عبد الله بن عباس ، وبهذا يضمن عدم حدوث أية انحراف أو تلاعب في كيفية الإنفاق ، وربما كان وجود سعيد بن جبير في ذلك الجيش وذلك المنصب القيادي من العوامل التي جعلت الحجاج يتغاضى عن تحذيرات وصلته حول شخصية قائد الجيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وكان أقوى هذه التحذيرات من إسماعيل بن الأشعث عم عبد الرحمن.
فمن هذه التحذيرات :
تحذير إخوة عبد الرحمن للحجاج : جاءت إخوة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث منهم قيس وإسحاق والمنذر والصباح حتى دخلوا على الحجاج فقالوا: لا توجه عبد الرحمن في هذا الجيش، فإنا نتخوف أن يخرج عليك ! قال: ليس هذا أول حسد الإخوة، وإنما أنتم حسدتموه لأنه ليس من أمكم...(وانظر الإمامة والسياسة 2 / 37).(الطبري)
كذلك أتى إسماعيل بن الأشعث عم عبد الرحمن للحجاج وقال له: لا تبعثه فو الله ما جاز جسر الفرات فرأى للوالي عليه طاعة وإني أخاف خلافه. فقال الحجاج: هو أهيب لي من أن يخالف أمري (الكامل في التاريخ)
وتفيد بعض المصادر أنه كانت هناك كراهية دفينة بين الحجاج وعبد الرحمن بن الأشعث ، وتقول هذه الروايات أن الحجاج قال يوما في شأن عبد الرحمن بن الأشعث : ما رأيته قط إلا أردت قتله. وسمع الشعبي ذلك من الحجاج ذات يوم فأخبر عبد الرحمن به ، فقال: والله لأحاولن أن أزيل الحجاج عن سلطانه ، ويبدو والله أعلم أن من أسباب هذه الكراهية إحساس الحجاج بتواطؤ كان بين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عن قتال شبيب الخارجي كما أسلفنا .
ولكن مهما كانت صحة هذه المعلومة إلا أن الواضح أن الحجاج لم يحرم عبد الرحمن بن الأشعث من الوصول إلى أهم الوظائف القيادية في ذلك الزمان وهي قيادة الجيوش ، فبالرغم من فشل عبد الرحمن بن الأشعث في التجربة الأولى في قتال شبيب الخارجي فها هو الحجاج يمنحه فرصة ثانية في قيادة جيش أضخم وأعظم وهو جيش كان متجها لقتال لا شبهة فيه : جهاد الأمم الكافرة.
وربما يتجه الظن والله أعلم أن قيام الحجاج بتكليف سعيد بن جبير الإشراف على مالية الجيش كان من العوامل التي جعلته يطمئن إلى أن وجود مثل سعيد يمكن أن يكبح أية تطلعات وطموحات ذاتية لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، والحق يقال ، لم يكن سعيد بن جبير الوحيد ذو المكانة العلمية المرموقة في ذلك الجيش ، بل كان فيه عدد كبير من القراء (الحفظة) وكان في الجيش تابعي آخر مشهور هو عامر الشعبي ، ومر عامر الشعبي لاحقا في هذا الجيش بنفس ما مر به سعيد بن جبير من مشاركة في الثورة ، لكن الشعبي انتهى مع الحجاج نهاية مختلفة جدا سنتطرق لها في حينها.(سنة 99هـ : عامر الشعبي قاضيا على الكوفة أيام عمر بن عبد العزيز ، فتأمل !!)
وصل جيش الطواويس إلى سجستان (أنظر الخارطة في الحلقة 3) و سار يريد رتبيل ملك البلد وحقق انتصارات في البداية ، ولكن الجيش كان لكما أوغل كلما ازدادت المهمة صعوبة بسبب الإحترازات والكمائن التي كان يعدها رتبيل ، فتوجس عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث من أن تتحول الانتصارات إلى هزيمة ، فكتب إلى الحجاج يعلمه برجوعه إلى مدينة تسمى بست في تلك الأصقاع ، وأخبره أنه قرر أن يؤخر الهجوم على رتبيل إلى العام المقبل.
رفض الحجاج هذا التراجع ، وكتب إلى الرحمن بن محمد بن الأشعث كتاباً يرفض فيه طلبه بمهادنة رتبيل ، وأغلظ له القول وتوعده قائلا : (إن كتابك كتاب امرئ يحب الهدنة ويستريح إلى الموادعة، قد صانع عدواً قليلاً ذليلاً، قد أصابوا من المسلمين جنداً كان بلاؤهم حسناً وغناؤهم عظيماً، وإنك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخي النفس بمن أطيب من المسلمين، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم ) ثم أردف الحجاج بكتابً آخر بنحو ذلك، وفيه : ( أما بعد فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا بها فإنها دارهم حتى يفتحها الله عليهم ) ثم كتب إليه ثالثاً بذلك، ويقول له: ( إن مضيت لما أمرتك وإلا فأخوك إسحاق بن محمد أمير الناس).(الكامل في التاريخ)
وحين تقرأ بتمعن تعليمات الحجاج فلا شك أنك تجد فيها تفكيرا استراتيجيا بعيد المدى ، فقوله مثلا : (فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا بها فإنها دارهم حتى يفتحها الله عليهم) ، يعني أن الجيش المسلم ستصير أرزاقه تدريجيا من إنتاج زراعتهم في تلك البلدان وسيقل اعتمادهم تدريجيا على انتظار المدد المالي من العراق أو الشام عاصمة الدولة ، إضافة إلى أن الانشغال بالزراعة كفيل بأن يوفر للجنود عملا مؤقتا يبعد عنهم الإحساس بالضجر نتيجة الانتظار المتطاول لشهور أو أسابيع دون قتال .
الثورة و الخطاب التحريضي :ألا أن قائد الجيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث حين وصلته كتب الحجاج لم يقبل تعليماتها الصارمة وأسلوبها الزاجر،و برزت الشخصية الأصلية فخطب في الجنود قائلا ومحرضا : أيها الناس إني لكم ناصح، ولصلاحكم محب ولكم في كل ما يحيط بكم نفعكم ناظر، وقد كان رأيي فيما بيني وبين عدوي (رتبيل) بما رضيه ذوو أحلامكم وأولو التجربة منكم، وكتبت بذلك إلى أميركم الحجاج فأتاني كتابه يعجزني ويضعفني و يأمرني بتعجل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم وآبى إذا أبيتم.
فثار إليه الناس وقالوا: بل نأبى على عدو الله ( الحجاج ) ولا نسمع له ولا نطيع.
فكان أول من تكلم أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وله صحبة، فقال بعد حمد الله: أما بعد فإن الحجاج يرى بكم ما رأى القائل الأول: احمل عبدك على الفرس فإن هلك هلك، وإن نجا فلك. إن الحجاج ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلايا كثيرة ويغشي اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم وغنمتم أكل البلاد وحاز المال وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذين لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم. اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا الأمير عبد الرحمن، فإني أشهدكم أني أول خالع.
هنا تنادى الناس من كل جانب: فعلنا فعلنا، قد خلعنا عدو الله.
وقام عبد المؤمن بن شبث بن ربعي ( وشبث بن ربعي والد عبد المؤمن كان من الذين خذلوا الحسين بن علي حين حضر إلى كربلاء وكان صاحب مواقف متقلبة جدا في سيرته مع علي بن أبي طالب ) فقال: عباد الله! إنكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم ما بقيتم وجمركم تجمير فرعون الجنود ( أي أنه سيجعلكم تستوطنون هذه الأصقاع ويمنعكم من العودة إلى دياركم) ، فإنه بلغني أنه أول من جمر البعوث، ولن تعاينوا الأحبة أو يموت أكثركم فيما أرى، فبايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم الحجاج فانفوه عن بلادكم.
و تجمير البعوث معناه حبس الجنود في الثغور ومنعهم من العودة إلى أهليهم (وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لا تُجَمِّروا الجيش فتفتنوهم؛ تجمير الجيش جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إِلى أَهليهم - لسان العرب)
فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه على خلع الحجاج ونفيه من أرض العراق وعلى النصرة له، ولم يذكر الخليفة عبد الملك بن مروان. (الكامل في التاريخ)
وهنا لا يملك المرء إلا أن يتعجب من منطق الثوار ومن أن تكون مجرد هذه الرسائل القاسية من الحجاج سببا في تمرد ينكص على أثره ذلك الجيش الطواويسي على عقبيه ويعود ليقاتل نفس الجهة التي أرسلته قتالا قاسيا رهيبا يفنى فيه آلاف المسلمين في قتال كان من الأفضل أن يكون ضد رتبيل وقومه من الكفار مهما كانت نتائجه هزيمة أو نصرا، إضافة إلى أن كل الفتوحات الإسلامية في ذلك الزمان ما كان لها أن تنجح في نشر الإسلام إلا لأنها جمعت بين الفتح والهجرة والاستقرار في الأراضي الجديدة ، فقد اتسعت رقعة الفتوحات ولم تعد محصورة داخل جزيرة العرب حيث كان بإمكان المجاهدين الوصول إلى هدفهم وتحقيقه ثم العودة إلى مكة أو المدينة أو أوطانهم الأصلية أيا كانت ، كانت الفتوحات في ذلك الزمان كانت قد خرجت خارج جزيرة العرب إلى فضاءات ثقافية وجغرافية بعيدة وشاسعة لا يمكن نشر الإسلام واللغة العربية فيها إلا من خلال استيطان بعض الفاتحين الجدد وتمازجهم مع أهل البلاد بالتجارة والتزاوج وغيرها من المنافع ، فما هو المنطق في أن يكون التجمير سياسة للحجاج يرفضها القوم لا لشيء إلا لأنه قد بلغهم أن فرعون هو أول من جمر البعوث ؟!
الكارثة : عهد اللجوء الاحتياطي بين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ورتبيل
توافقت الآراء إذن على أن يعود الجيش في الاتجاه المعاكس للهجوم على الحجاج في العراق ، وليت الكارثة توقفت عند هذا الحد ، بل إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وضع خطة في غاية الغرابة حتى يضمن لنفسه السلامة واللجوء الآمن مستقبلا إذا ما فشلت الثورة ضد الحجاج.
كانت خطة التأمين المستقبلي هذه تعتمد على العودة واللجوء إلى رتبيل ملك السند الكافر الذي أخرجهم الحجاج مجاهدين ضده ومولهم بكل ما يحتاجون من مال وعتاد .
قال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث : (نسير إلى العراق، ونكتب بيننا وبين رتبيل كتاب صلح فإن تم أمرنا وقفنا عنه، ورقبنا له ، وإن كانت الأخرى اتخذناه ملجأ)
فتم رأي القوم على ذلك، وكتب بينه وبين رتبيل كتابا بهذا الشرط ، وهو شرط في غاية الانهزامية والانتهازية ولا شك ، فهو يعني أن ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ضد الحجاج إذا كتب لها النصر فإن الحكم الجديد في الكوفة يتعهد بعد شن أية حرب مستقبلية ضد رتبيل وقومه ، ولكن هذا الشرط في مقابل ماذا ؟ في مقابل أنه إذا هزمت الثورة فإن رتبيل يضمن لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ومن معه لجوءا آمنا في بلادهم من مطاردة الحجاج !!
وهنا يحق للمرء أن نتساءل : أين كان سعيد بن جبير في تلك الأوقات ؟ وهل كان يجهل بهذه الشروط ؟ وهل أجاز أن يقوم عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس بعقد هدنة مع الملك الوثني الذي أرسل للجهاد ضده من أجل أن يعود متمردا ضد الحاكم المسلم مهما كان ظالما غشوما ، وهو نفس الحاكم الذي أرسلهم وجهزهم بكل ما يحتاجونه من مال وتجهيزات ؟
ليس ذلك فقط ، بل يكون من شروط الهدنة ترتيبات مستقبلية تضمن لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أن يعود لاجئا إلى بلاد رتبيل إذا فشل تمره ضد الحجاج !!! وهذا ما حدث بالفعل لاحقا ولكن كان فيه هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث كما سنرى لاحقا !
وهل كان لمثل هذا التمرد أن ينجح بهذه السهولة إذا كان قد وجد معارضة واضحة من المسئول المالي للجيش ؟
الحرب الإعلامية ضد الحجاج :
لما أجمع ابن الأشعث المسير إلى العراق دعا أبا عمرو بن ذر الهمداني فكساه ووصله وأمر أن يحضض الناس فكان يقص كل يوم وينال من الحجاج ثم ساروا وقد خلعوا الحجاج ولا يذكرون خلع عبد الملك
وبدأت مسيرة جيش الطواويس في الاتجاه المعاكس و ياله من اتجاه معاكس !!
ونواصل إن شاء الله تعالى
******************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:56 am

الحلقة (5)
دير الجماجم وما أدراك ما دير الجماجم !
عاد جيش الطواويس مرتدا بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى العراق ، وبينما هم في الطريق كانت أخبار عودة الجيش الثائر قد وصلت إلى الحجاج فأرسل للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في دمشق يستنجد به وكيف لا يستنجد ومن أين له القدرة على مواجهة الجيش الذي سلحه وأحسن تسليحه ، وتجاوب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان فأرسل للعراق جنود الشام الذين اعتمد عليهم الحجاج في مجابهة هذا التمرد العاتي.(تاريخ اليعقوبي)
تقول بعض المصادر أن ابن الأشعث عاد في مائتي ألف فارس ومائة ألف راجل (الوافي بالوفيات) وقد علمنا من مصدر سابق أن الجيش الذي غادر العراق نحو بلاد رتبيل كان عدده أربعين ألفا ، وهنا يقول المصدر أنهم عادوا مائتي ألف فارس ومائة ألف راجل ، فهل هو تضارب في الروايات أم أن كل عدو للإسلام ومنافق في تلك الأصقاع التي كانت حديثة عهد بالإسلام انضم إلى ذلك الجيش المتمرد ؟!
وبدأت المعارك والجيش المتمرد يجتاح البصرة :
بدأت الهزائم تترى على قوات الحجاج إلى أن اجتاح جيش الطواويس البصرة في 10 ذي الحجة 81هـ وخطب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على منبر البصرة ، واستمرت المعارك حتى محرم 82هـ حين وقعت معركة كبيرة سميت معركة الزاوية بين الحجاج وابن الأشعث وبعدها حدثت سلسلة من المعارك افتتحت بمعركة كبيرة مشهورة سميت معركة دير الجماجم استمرت مائة يوم كاملة ، وسيطر جيش المتمردين في مرحلة من المراحل على الكوفة عاصمة ولاية العراق ، إي أن الحجاج في مرحلة معينة فقد كل المراكز الحضرية المهمة في العراق ، وقتل في عشرات المعارك عشرات الآلاف من المسلمين من الجانبين ، وفي مرحلة من المراحل الصعبة أرسل الخليفة الأموي أخيه محمد بن مروان و ابنه عبد الله بن عبد الملك بن مروان للتفاوض مع المتمردين بل وعرضوا عليهم عزل الحجاج من ولاية العراق فرفضوا بعد أن أغرتهم الانتصارات وقاموا برفع سقف مطالبهم.
أين كان سعيد بن جبير في كل هذا الخضم؟
كان مقاتلا ومحرضا فاعلا في جيش الطواويس الذي خرج من العراق منذ عامين وكان هو مسئول ماليته.
وينقل لنا أحد مصادر التاريخ مشهد سعيد بن جبير وهو يحرض على القتال خلال معركة الجماجم 14 جمادي الآخرة سنة 83 هـ واقعة الجماجم : ( وقال سعيد بن جبير: قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنية ويقين ، وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم، وتجبرهم في الدين، و استذلالهم الضعفاء ، وإماتتهم الصلاة ) (تاريخ الرسل والملوك)
فاقت وقائع دير الجماجم الثمانين موقعة انهزم فيها الحجاج كلها ما عدا الأخيرة : (فالتقى الحجاج وابن الأشعث بالموضع المعروف بدير الجماجم، فكانت بينهم وقائع نيف وثمانون وقعة تَفَانى فيها خلق، وذلك في سنة اثنتين وثمانين ) (مروج الذهب)
فحدثني أمية بن خالد عن عوانة أنه قال : كانت بينهم بالجماجم إحدى وثمانين وقيعة كلها على الحجاج إلا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث فانهزم ، وقتل عدد كثير من القراء بدير الجماجم كانوا مع جيش الطواويس ، وفي المعركة الأخيرة انكشف ابن الأشعث من دير الجماجم فأتى البصرة وتبعه الحجاج فخرج منها إلى مسكن من أرض دجيل الأهواز واتبعه الحجاج فالتقوا بمسكن فانهزم ابن الأشعث وقتل من أصحابه ناس كثير وغرق ناس كثير
انكسار التمرد ولجوء عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى رتبيل :
انهزم ابن الأشعث من دير الجماجم ، وهرب سعيد بن جبير إلى أصبهان ، أما عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فلجأ إلى بلاد السند إلى رتبيل وفقا لخطة اللجوء التي كان قد دبرها عندما كان ينوى التمرد قبل عامين.
أما الحجاج فقد يتلقط أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ويضرب أعناقهم، و قتل خلقاً كثيراً حتى أطمأن إلى إخماد التمرد والقضاء على الثائرين.
خطبة الحجاج (وكان مفوها بليغا ) في أهل العراق بعد انكسار شوكة التمرد :
قال عاصم: خطب الحجاج أهل العراق بعد دير الجماجم فقال : يا أهل العراق إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم، والعصب والمسامع، والاطراف ، ثم أفضى إلى الاصماخ (2) والأمخاخ، والأشباح والأرواح، ثم ارتع فعشش، ثم باض وفرخ، ثم دب ودرج، فحشاكم نفاقا وشقاقا، وأشعركم خلافا، اتخذتموه دليلا تتبعونه، وقائدا تطيعونه، ومؤتمنا تشاورونه و تستأمرونه، فكيف تنفعكم تجربة، أو ينفعكم بيان ؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث منيتم المكر واجتمعتم على الغدر، واتفقتم على الكفر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته، وأنا والله أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا، وتنهزمون سراعا.
ويوم الزاوية وما يوم الزاوية، مما كان من فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم، ونكوس قلبوكم إذ وليتم كالإبل الشاردة عن أوطانها النوازع، لا يسأل المرء منكم عن أخيه، ولا يلوي الشيخ على بنيه، حين عضكم السلاح، وقصفتكم الرماح. ويوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم، بها كانت المعارك والملاحم: بضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله ، يا أهل العراق يا أهل الكفران بعد الفجران، والغدران بعد الخذلان ، والنزوة بعد النزوات، إن بعثناكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم، لا تذكرون نعمة، ولا تشكرون معروفا، ما استخفكم ناكث، ولا استغواكم غاو، ولا استنقذكم عاص، ولا استنصركم ظالم، ولا استعضدكم خالع، إلا لبيتم دعوته، وأجبتم صيحته، ونفرتم إليه خفافا وثقالا، وفرسانا ورجالا. يا أهل العراق هل شغب شاغب، أو نعب ناعب، أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصاره ؟ يا أهل العراق ألم تنفعكم المواعظ ؟ ألم تزجركم الوقائع ؟ ألم يشدد الله عليكم وطأته، ويذقكم حر سيفه، وأليم بأسه ومثلاته ؟
ثم التفت الحجاج إلى أهل الشام يثني عليهم : يا أهل الشام إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها القذر ويباعد عنها الحجر، ويكنها من المطر، ويحميها من الضباب، ويحرسها من الذباب. يا أهل الشام ! أنتم (2) الجنة والبرد، وأنتم الملاءة والجلد، أنتم الأولياء والأنصار، والشعار والدثار، بكم يذب عن البيضة والحوذة، وبكم ترمى كتائب الأعداء ويهزم من عاند وتولى.(البداية والنهاية)
كانت التركيبة البشرية للعراق معقدة شديدة التنوع وتحتاج لدراسة كاملة وعانى منها سيدنا علي بن أبي طالب والحسين بن علي وزيد بن الحسين بن علي ، وكل من حكم وصارت العراق مقرا لحكمه عانى من تلك التركيبة المتنوعة الصعبة المراس .
سنة 83 هـ - الحجاج بن يوسف الثقفي يعلن العفو العام بشروط :
في سنة 83 هـ بعد أن اطمأن الحجاج من كسر شوكة المتمردين والقضاء على كل من استطاع الإمساك به من القيادات ، أعلن عفوا عاما مشروطا و نادى مناديه في الناس : من رجع فهو آمن ومن لحق بمسلم بن قتيبة بالري فهو آمن ، وكان سبب ذلك أن قتيبة بن مسلم كان يقود في ذلك الوقت جبهة جهادية أخرى تحت إمرة الحجاج في غياهب آسيا الوسطى ، فلحق بمسلم خلق كثير ممن كان مع ابن الأشعث فأمنهم الحجاج، ومن لم يلحق به شرع الحجاج في تتبعهم، فقتل منهم خلقا كثيرا .
قصة الحجاج مع عامر الشعبي والعفو عنه :
كان عامر الشعبي وهو أحد كبار علماء التابعين المشهورين حتى يومنا هذا ممن كان في جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وشارك في التمرد وفي كل مراحل القتال ، وحين أعلن الحجاج عفوه العام المشروط كان عامر الشعبي في من توجه إلى مسلم بن قتيبة ، وفي ذات يوم تذكره الحجاج يوما وسأل عنه فقيل له: انه سار إلى مسلم بن قتيبة، فكتب إلى مسلم: أن ابعث لي بالشعبي.
لنترك الشعبي هنا يقص قصته مع الحجاج .
قال الشعبي: فلما دخلت عليه سلمت عليه بالإمرة ثم قلت: أيها الأمير إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق، وأيم الله لا أقول في هذا المقام إلا الحق كائنا في ذلك ما كان، قد والله تمردنا عليك، وخرجنا وجهدنا كل الجهد فما ألونا، فما كنا بالأقوياء الفجرة، ولا بالأتقياء البررة، ولقد نصرك الله علينا وأظفرك بنا فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إليك أيدينا، وإن عفوت عنا فبحلمك، وبعد، فلك الحجة علينا.
هذا هو قول الشعبي ، ولك أن تعجب أشد العجب حين تقرأ في كتب التاريخ أن الشعبي قد نجا من الحجاج لأنه كان يؤمن بالتقية ، فأين هي التقية في ما قاله للحجاج ؟
فقال الحجاج: أنت والله يا شعبي أحب إلي ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول: ما فعلت ولا شهدت، قد أمنت عندنا يا شعبي.
قال الشعبي : فانصرفت فلما مشيت قليلا قال: هلم يا شعبي، قال: فوجل لذلك قلبي، ثم ذكرت قوله قد أمنت يا شعبي فاطمأنت نفسي.
قال الحجاج : كيف وجدت الناس بعدنا يا شعبي ؟ -قال الشعبي (وكان لي مكرما قبل الخروج عليه) : أصلح الله الأمير، قد اكتحلت بعدك السهر، واستوعرت السهل، واستوخمت الجناب، واستجلست الخوف، واستحليت الهم، وفقدت صالح الإخوان، ولم أجد من الأمير خلفا.)
قال انصرف يا شعبي، فانصرفت.
ويتضح من قصة الحجاج مع الشعبي أن الحجاج قد منح عفوا عاما لكل من شارك في التمرد بشرط الذهاب إلى مسلم بن قتيبة بالري فاستفاد الشعبي من هذه الفرصة فذهب إلى مسلم بن قتيبة ، ثم بعد ذلك ناله عفو خاص من الحجاج باستدعائه له ، وهو استدعاء لا يمكن إلا أن يفهم أنه جاء في سياق احترام خاص يكنه الحجاج للشعبي لعلمه ومكانته.
كما يتضح من قصة الحجاج مع الشعبي تقدير الحجاج لفضيلة الصدق والوضوح رغم شدته وهذا يظهر منه في الكثير من الموقف التي داعي لذكرها حتى لا نخرج من السياق
فلماذا لم ينل سعيد بن جبير العفو مثلما ناله الشعبي في ذلك الوقت المبكر ؟ الإجابة في غاية الوضوح : لأن سعيد بن جبير لم يبدر منه ما يفيد رغبته في الحصول على العفو أو الندم على مشاركته في تمرد جيش الطواويس ، بل ظل يتنقل متخفيا بين البلدان لمدة اثني عشر عاما حتى حانت لحظة القبض عليه عام 95هـ في مكة المكرمة وإرساله للحجاج في العراق ، وسنقص تفاصيل وملابسات تلك النهاية الحزينة المشهورة ، و سنقص قبلها كيف كانت نهاية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث .
ونواصل إن شاء الله تعالى
******************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:57 am

الحلقة (6)
سنة 84 هـ نهاية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وملابسات القبض على سعيد بن جبير
في سنة 83هـ هزمت قوات عبد الرحمن بن محمد بن الأِشعث في المعركة الأخيرة ، وكما يقال فالأمور بخواتيمها ، وتشتتت قواته وتفرقت السبل بحلفاء الأمس .
وكما ذكرنا آنفا ، فإن ابن الأشعث كان قد احتاط لهذه اللحظة ، فيمم وجهه ومعه أربعة آلاف ممن تبقوا معه شرقا نحو بلاد رتبيل لاجئا حتى وصل إلى هراة (في أفغانستان الحالية) وهناك قال له أحد قادته ويدعى علقمة بن عمرو الأودي : ما أريد أن أدخل معك لأني أتخوف عليك وعلى من معك، والله لكأني بالحجاج وقد كتب إلى رتبيل يرغبه ويرهبه، فإذا هو قد بعث بك سلماً أو قتلكم .( الكامل في التاريخ) وهذا هو ما حدث فعلا.
واصل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث طريق شرقا حتى دخل لاجئا لبلاد رتبيل , وأقام عنده في أمن وسلامة، ووفى له رتبيل بما كان بينه وبينه (اليعقوبي) ، ولكن إلى حين ، فهيهات هيهات أن يكون لمثل رتبيل أمان دائم .
علم الحجاج بلجوء بن الأشعث إلى رتبيل فتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل يطالبه بتسليم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قائلا: أن أبعث به إلي وإلا والذي لا إله غيره لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل.( الكامل في التاريخ)
وبعد مساومات استطاع الحجاج إقناع رتبيل بأن يقوم بتسليم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث مقابل أن يكف المسلمون عن مهاجمة بلاده سبع سنين وأن يعفيه من الخراج لمدة عشرة سنوات ، حينئذ غدر رتبيل ، وأرسل إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وثلاثين من أهل بيته فحضروا فقيدهم ليرسلهم الحجاج ، ولم تتحمل نفس عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث هذه النهاية فألقى بنفسه من سطح قصر، فمات فاحتز رتبيل رأسه وأرسله إلى الحجاج، وقيل: إن عبد الرحمن كان قد أصابه السل فمات فأرسل رتبيل إليه فقطع رأسه قبل أن يدفن وأرسله إلى الحجاج.(الكامل في التاريخ)
ولما وصلت الرأس إلى الحجاج أرسلها الحجاج إلى الخليفة الأموي في دمشق عبد الملك بن مروان وهكذا طويت صفحة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.
ترحال سعيد بن جبير
أما سعيد بن جبير فلم يتوجه إلى قتيبة بن مسلم كما فعل عامر الشعبي ، بل ظل يتنقل بين البلدان : الري ، أصبهان ، قزوين وغيرها ، ثم اخيرا : مكة المكرمة التي قبض عليه بها عام 95هـ
وكل هذه البلدان التي ظل يتنقل فيها سعيد بن جبير كانت في حقيقة الأمر تحت سلطة الدولة الأموية ، ويلاحظ المتتبع لسيرة سعيد بن جبير خلال سنوات الترحال من عام 83هـ إلى 95هـ أنه ظل مرصودا من قبل سلطات وعيون الدولة الأموية وولاتها في مختلف تلك البلدان ولكنه ظل مغضوض الطرف عنه.
فالروايات الكثيرة تفيد أن العديد من الناس كانوا يقابلون سعيد بن جبير في مختلف البلدان وفي مكة في العديد من المناسبات ، ومن هذه الإثباتات على سبيل المثال لا الحصر :
منها أن المصادر التاريخية كانت تذكر سعيد بن جبير ضمن الفقهاء المعروفين في زمن خلفاء بني أمية ، خذ مثلا هذا النص عن أيام عبد الملك بن مروان : (وكان الفقهاء في أيامه عبد الرحمن بن حاطب، سعيد بن المسيب، عروة ابن الزبير، عطاء بن يسار، أبا سلمة بن عبد الرحمن، القاسم بن محمد، سعيد بن جبير، مجاهد بن جبير مولى بني مخزوم – تاريخ اليعقوبي) ، وبكل تأكيد فإن سعيد بن جبير لا يمكن أن يذكر ضمن الفقهاء إلا إذا كان له ظهور ولو في نطاق ضيق وكان يقابل أناسا يأخذون عنه العلم وهذا يعني أن تواري سيعد بن جبير من الحجاج أو من سلطات الدولة الأموية لم يكن صارما ولا تاما.
ومن هذه الأمثلة : قال مسعود بن مالك: قال لي علي بن الحسين ( وهو على زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب): تستطيع أن تجمع بيني وبين سعد بن جبير؟ قال: قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
ومنها أيضا : قال مسعود بن مالك: قال علي بن حسين: ما فعل سعيد بن جبير؟ قال: قلت: صالح، قال: ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق (مختصر تاريخ دمشق)
وهذه الروايات وغيرها كثير تؤكد أن مقابلة سعيد بن جبير لم تكن صعبة المنال للذين كانوا يسعون لمقابلته في مكة .
ولعل التأمل في مسألة تنقل سعيد بن جبير بين البلدان خلال سنوات الترحال تعطينا إضاءات عن طبيعة الحكم اللامركزي في ظل الدولة الأموية حيث كان والي الولاية يتمتع بسلطات واسعة وفي نفس الوقت لا يتدخل في المسائل التي يرجع اختصاصها لوالي الولاية الأخرى ، ولعل هذا يفسر تغاضي ولاة الولايات التي تنقل فيها سعيد بن جبير عنه باعتباره مشكلة تخص ولاية العراق وواليها الحجاج بن يوسف ، ولهذا السبب لم يقوموا بتكليف أنفسهم عناء القبض عليه أو محاكمته بدلا عن الحجاج بن يوسف بالرغم من أن مشاركته في تمرد جيش الطواويس سنة 81هـ - 83هـ كان أساسا وفي حقيقة الأمر ضد الدولة الأموية ولم تكن ضد الحجاج وحده أو ولاية العراق وحدها .
الآثار السلبية لتمرد جيش الطواويس بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
ونتوقف لحظة نتأمل فيها الآثار السلبية الكارثية التي تسبب فيها تمرد جيش الطواويس بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وهي كثير جدا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
منها مقتل عشرات الآلاف من المسلمين في قتال داخلي بينهم ، ففي الوقت الذي حرض فيه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الجنود وهم في بلاد رتبيل بأن الحجاج يريد أن يلقي بهم إلى المهالك فإن القتال الذي دار بينهم وبين جيوش الحجاج بالعراق لاحقا كان شرسا جدا وكلف المسلمين أكثر بكثير مما كان سيكلفه أية قتال بينهم وبين كفار السند.
ومنها تعطيل فتوح السند وقتال ملكها رتبيل لمدة 12 عاما بسبب هذا التمرد ولم يتمكن الحجاج من استئناف الفتوحات إلا عام 92هـ وهذه المرة كانت بقيادة ابن عمه محمد بن القاسم الثقفي وكان عمره 17 عاما فقط فأبلى أحسن البلاء وعوض الإسلام والمسلمين عن ذلك النكوص الرهيب كما سنرى لاحقا.
تتالت السنوات ، وفي سنة 87 هـ قدم عمر بن عبد العزيز واليا على الحجاز ، وكان قدوم عمر بن عبد العزيز واليا على الحجاز مقدمة لسلسلة الحوادث التي أدت إلى ألقاء القبض على سعيد بن جبير ، فقد قدم إلى الحجاز وبالمدينة ومكة العديد من أهل العراق الهاربين من بطش الحجاج وتنكيله ببقايا متمردي جيش بن الأشعث.
ودخلت سنة 92هـ زمن خلافة الوليد بن عبد الملك – وفيها كان فتح الفتوح : فتح الأندلس , و في هذه السنة استطاع الحجاج وبعد عقد كامل من الزمان تمويل حملة جديدة نحو بلاد رتبيل بقيادة ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي إلى السند، (تاريخ اليعقوبي) فأحسن الفتوحات وأخلص فيها وأصلح ما أفسده عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكان عمره 17 عاما فقط (عيون الأخبار)
وعظمت فتوحات محمد بن القاسم الثقفي ، ونظر الحجاج في النفقة على ذلك الثغر فكانت ستين ألف ألف درهم ( 60 مليون درهم ) ، ونظر في الذي حمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف، ( مائة وعشرون مليون درهم) فقال: ربحنا ستين ألفاً وأدركنا ثأرنا ورأس ذاهر.( الكامل في التاريخ)
الحجاجون والجبيريون 21ljvvc
ملابسات القبض على سعيد بن جبير في مكة وإرساله إلى الحجاج بالعراق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 4:58 am

ذكرنا أن عمر بن عبد العزيز قدم إلى الحجاز واليا سنة 87هـ في زمن خلافة الوليد بن عبد الملك ، وذكرنا أن الكثيرين من أهل العراق وبسبب قمع تمرد بن الأشعث سنة 83 هـ واجتهاد الحجاج في ملاحقة ذيولهم غادروا العراق نازحين إلى المدينة ومكة المكرمة ناقلين معهم مقدراتهم وخبراتهم التحريضية المتوارثة منذ زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وحين عين عمر بن عبد العزيز واليا على الحجاز ولمسوا فيه طيبة وخلقا أخذوا في تحريضه على الحجاج حتى كتب في سنة 93هـ إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق وما هم فيه من ظلمه وعدوانه .
وصل خبر رسالة عمر بن عبد العزيز إلى الحجاج بالعراق ، و استنتج الحجاج أن هناك تحريضا ضده من قبل العراقيين المقيمين في الحجاز ، ومن الواضح أن هؤلاء المحرضين كانوا يعولون على أموية عمر بن عبد العزيز في التأثير على مركز الخلافة في دمشق أملا في الانتقام من الحجاج .
ولكن نتائج التحريض جاءت عكسية فما حدث هو أن الحجاج كتب إلى الخليفة الوليد في دمشق قائلا : إن كثيرا من المراق وأهل الشقاق قد انجلوا عن العراق ولحقوا بالمدينة ومكة ومنعهم عمر (عمر بن عبد العزيز ) وذلك وهن ، فكتب الوليد إلى الحجاج يستشيره فيمن يوليه المدينة ومكة، فأشار عليه بخالد بن عبد الله القسري وعثمان بن حيان، فولى خالداً مكة، وعثمان المدينة، وعزل عمر عنهما. (الكامل في التاريخ) ، ولم يتوقف الأمر على عزل عمر بن عبد العزيز عن ولاية الحجاز ، بل اتخذ الخليفة الوليد بن عبد الملك قرارا بإخلاء الحجاز من أهل العراق وإعادة ترحيلهم إلى العراق.
ما أن سمع الناس بتعيين خالد بن عبد الله القسري واليا على مكة حتى سارعوا بتحذير سعيد بن جبير قائلين : إنه رجل سوء فلو سرت عن مكة. فقال والله لقد فررت حتى استحييت من الله وسيجيئني ما كتب الله لي (الكامل في التاريخ) وكان واضحا أن سعيد بن جبير سئم حياة التنقل من مكان إلى مكان هربا من انتقام الحجاج.
قدم الوالي الجديد خالد بن عبد الله القسري إلى مكة وما أن وصلها حتى كتب إليه الخليفة الوليد يأمره بترحيل النازحين من أهل العراق إلى الحجاج ، فأخرج من كان بها من أهل العراق كرها وتهدد من أنزل عراقيا أو أجره دارا و من هؤلاء الذين عمهم الشر كما يقال كان سعيد بن جبير ، إذ سرعان ما قام خالد بن عبد الله القسري باستدعائه قائلا له : أنت ممن يطلب أمير المؤمنين وأنت مقيم في جواري فبعث به إلى الحجاج (المتوارين)
إذن فإن التأمل في هذه الملابسات يجعلنا نستنتج أن سعيد بن جبير لم يتم إلقاء القبض عليه منفردا في إطار ملاحقة أو مطاردة ، بل في إطار تداعيات تسببت فيها شكوى والي الحجاز السابق عمر بن عبد العزيز للخليفة من قسوة الحجاج في العراق وهي شكوى تسبب فيها تحريض العراقيين المقيمين بالحجاز لعمر بن عبد العزيز ، وفي ذلك السياق كان سعيد بن جبير ضمن من تم إخراجهم من مكة من أهل العراق (تاريخ بن خلدون) ،
ليس ذلك فقط ، بل نجد ما يفيد أن الحجاج كان يعلم أن سعيد بن جبير كان مقيما في مكة ولم يسع إلى ملاحقته ، فحين وصل ركب المرحلين من أهل العراق وفيهم سعيد بن جبير إلى الحجاج ورأى الحجاج سعيدا ، قام بشتم خالد بن عبد الله القسري قائلا : (لعن ابن النصرانية ، لقد كنت أعرف أنه بمكة وأعرف البيت الذي كان فيه )(البداية والنهاية - تاريخ الرسل والملوك- تاريخ بن خلدون).
و ابن النصرانية هو خالد بن عبد الله القسري كانت أمه نصرانية رومية.
وربما كان عدم سعي الحجاج إلى القبض على سعيد بن جبير لأسباب ، منها أن مكة كانت إداريا خارج ولاية الحجاج ، ولهذا نرى أن إخراج سعيد بن جبير منها إلى العراق أتى في سياق التنفيذ لأوامر صدرت من الخليفة في دمشق إلى خالد القسري والي مكة ، الأمر الذي أعاد سعيد بن جبير إلى سلطة الحجاج ، أو ربما لأن الحجاج ربما لم يكن راغبا في إظهار نفسه في مظهر الحاقد شخصيا على سعيد بن جبير خاصة مع المكانة العلمية والأدبية لسعيد بن جبير.
سعيد بن جبير رفض محاولات الوساطة لمنع إرساله للعراق.
وهذه قصة أخرى أيضا تفيد أن سعيد بن جبير كان معروفا في مكة للعديد من الناس ومنهم من عرض وساطته لمنع قرار إرساله للعراق ، ومن هؤلاء محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
قال محمد بن علي لسعيد بن جبير : اختر مني واحدة من ثلاث: إن شئت مضيت بك إلى أبي محمد وقد عرفت مكانه من عبد الملك فآخذ لك أمانا، قال سعيد بن جبير: لا أريد هذا.
قال محمد بن علي : فإن هؤلاء على سوء رأيهم ما هتكوا لنا حجابا قط فادخل مع نسائي فإنهم لن يتعرضوا لك، قال سعيد بن جبير : ولا أريد هذا.
قال محمد بن علي: فهاتان راحلتان وألف دينار وهو كل ما أملكه على وجه الأرض فخذه والحق بأي الأرض شئت، قال سعيد بن جبير : لا، ولا أريد هذا.
قال: فما تريد ؟ قال: تسأل أن تفتح لي الكعبة حتى أدخلها فأوخذ من أعظم حرمة من حرمات الله، فبعث إلى الحجبي وكان صديقا له، ففتح له الكعبة فدخلها، فأخرج منها.(أخبار الدولة العباسية)
في هذا السياق ألقي القبض على سعيد بن جبير وتم إرساله إلى سلطة الحجاج مرة أخرى : العراق ، وحين وصل الركب وفيهم سعيد بن جبير ورآه الحجاج قال : لعن الله ابن النصرانية (خالد بن سعيد القسري )، لقد كنت أعرف أنه بمكة وأعرف البيت الذي كان فيه ، وكأن قيام والي مكة بترحيل سعيد بن جبير للعراق قد ورط الحجاج في محاكمة للرجل على سابق تمرده قبل اثنتي عشرة عاما وهي محاكمة ما كان يرغب أن يتورط فيها وإن كانت من صميم صلاحياته وسلطته بل ومسئولياته التنفيذية .
وفي الحلقة القادمة نستعرض الروايات المتعددة لذلك اللقاء الأخير بين الرجلين الذي لا يمكن تقييمه والحكم عليه إلا على ضوء المعرفة بتفاصيل ما ذكرناه في الحلقات الخمس الماضية.
ونواصل إن شاء الله تعالى
******************

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 5:01 am

الحلقة (7) – الأخيرة - المشهد الأخير
وصل ركب سعيد بن جبير أسيرا إلى العراق إلى واسط لأول مرة منذ أن غادرها بعد قمع تمرد جيش بن الأشعث سنة 83هـ ، ونتوقف في لحظة يتوقف فيها الزمن والحجاج بن يوسف الثقفي يشاهد فيها وللمرة الأولى سعيد بن جبير منذ أن قام بتوديعه سنة 80 هـ مغادرا إلى سجستان مسئولا عن النفقات في جيش الطواويس بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
نتوقف هنا في هذه اللحظة من الزمن ونحاول أن ندلف إلى داخل عقل الحجاج وهو يشاهد الرجل الذي اجتمع به منذ سنة 75 هـ حين قدم للكوفة واليا وعرفه قبل ذلك حين كان في مكة واليا عليها بعد مقتل عبد الله بن الزبير ، ولكن في مرحلة الكوفة تعمقت العلاقة بين الرجلين وأحب الحجاج أن يستفيد من ذخيرة الرجل العلمية ، فكان ما ذكرناه في حلقة سابقة رقم (2) من تعيينه له نائبا للقاضي ، ثم استعان به بعد ذلك في مسئولية تنفيذية في غاية الخطورة وهي أن يكون مسئولا عن نفقات الجند في جيش يخرج للغزو في أصقاع بعيدة ، هذا وسعيد بن جبير لم يكن ذا انتماء قبلي ربما يطمع الحجاج في كسبه مثلما كان الحال مع أمثال عبد الرحمن بن سعيد بن الأشعث الكندي الذي كان ينتسب إلى ملوك كندة ومن أسرة تميزت بالشرف مما ساعدها على التقرب من الحكام والتعود على تغاضيهم عن هفواتها مستندين في هذا التعود على شرف متوارث ، فرأينا كيف صفح أبو بكر الصديق عن الأشعث بعد ردته بل وزوجه أخته فأنجب منها محمد ، ورأينا كيف صار الأشعث بعدها من المقربين لعلي بن أبي طالب ثم صار إبنه محمد والد عبد الرحمن من المقربين لعبيد الله بن زياد والي الكوفة حين قتل الحسين بن علي سنة 61هـ ورأينا كيف تغاضى الحجاج لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث نكوصه عن قتال شبيب الخارجي فعاد لاحقا ليسند له قيادة جيش الطواويس ، فماذا كان سعيد بن جبير يملك من كل تلك المقومات المادية من مال وجاه ونسب مما يعتد به في تلك المجتمعات العربية في العراق التي وإن كانت قريبة عهد بالبعثة المحمدية إلا أنها كانت ما زالت تحمل الكثير من صفات التعصب والجاهلية أيضا ؟
كان سعيد بن جبير أسود اللون حبشي الأصل ، قيل في نسبه : سعيد بن جبير: الوابلي مولاهم الإمام الحبر المقرئ المفسر المحدث التابعي الجليل أبو عبد الله الكوفي. الشهيد قتل سنة 95.(ديوان الإسلام) ، وقيل : وكان سعيد بن جبير منهم - كان عبد رجل من بني أسد اشتراه من ابن العاص فأعتقه (الأوائل للعسكري) ، ولا نورد هذه النصوص انتقاصا من هذا التابعي المشهور ، حاشا لله وكلا ، ولكنا نوردها تحقيقا لمعلومة تاريخية بحتة كان لها تأثيرها ولا شك ويجب أن تقيم في تحليل الأحداث.
التقى الرجلان إذن بعد فراق دام ما يقارب الخمسة عشرة سنة ، فهل لنا بعد أن ألممنا بتفاصيل العلاقة العملية الممتدة بينهما منذ سنة 75هـ حين قدم الحجاج واليا على العراق أن نستخدم عقولنا للمقارنة بين الروايات العديدة التي وثقت ذلك المشهد الأخير ؟
لقد أتت كل رواية بعبارات وجمل ومشهيات ومثيرات لا توجد في الروايات الأخرى ، فهل لنا أن نستخدم عقولنا متسلحين بمعرفتنا بخلفيات كل ما سبق لتحليل وتمحيص ذلك المشهد الأخير حتى نتعرف على أية واحدة من هذه الروايات تبدو أقرب للتصديق و أكثر اتساقا مع التدرج والسياق الطبيعي للقصة؟
وحيث أنه من الصعب جدا أن نورد جميع الروايات التي وثقت ذلك المشهد الأخير ، فإننا وبغض النظر عن اختلاف التفاصيل والحوارات بين هذه الرواية وتلك ، أمكننا أن نفرز وبشكل عام منهجين لروايتين توثق كلا منهما للحوار الذي دار بين الرجلين في مسارين مختلفين جدا لكنه انتهى لنفس النهاية : إعدام سعيد بن جبير.
المنهج الأول : يبدأ من لحظة دخول سعيد بن جبير على الحجاج فيبادره الحجاج بأسئلة عنيفة مباشرة مستفزة يقابلها سعيد بن جبير بشجاعة وإجابات من تأكد أن القتل مقبل عليه فقويت عزيمته أن يغادر الحياة مرفوع الرأس قوي الشكيمة يرفض أن ينهزم.
وهذه هي نصوص هذا المنهج إجمالا :
حدثني أبو الصهباء قال: بينما أنا عند سعيد بن جبير، قال له رجل: ما تقول فيما يقوله الحسن؟ قال: وما يقول؟ قال: إن الحجاج كان أخذ الرجل قال: أكفرت حيث خرجت علي؟ قال: فإن قال نعم، خلا سبيله، وإن قال: لا، ضرب عنقه، قال: رحم الله الحسن لا تقيه في الإسلام، ثم إنه أبتلي وأخذ من العام المقبل في ذلك الشهر في ذلك اليوم، فركبت في سبعة أو تسعة حتى قدمنا واسطا، فأتي بسعيد بن جبير، فخرج الحجاج فقال: يا بن جبير أكفرت حين خرجت علي؟ قال: ما كفرت منذ أسلمت.
قال الحجاج: فاختر بأي قتلة تشتهي أن أقتلك.
قال سعيد: اختر أنت لنفسك فإن القصاص أمامك، قال: فقتله فما قتل أحدا بعده.(بغية الطلب في تاريخ حلب)
ورواية أخرى بنفس المنهج ومصادرها (مروج الذهب) و ( مرآة الجنان) و(المتوارين):
لما دخل سعيد بن جبير على الحجاج قال له ما اسمك
قال سعيد بن جبير
قال الحجاج: بل شقي بن كسير
قال سعيد بن جبير: أبي كان أعلم باسمي منك ، قال الله أعلم بي إذ خلقني
قال الحجاج: لقد شقيت وشقي أبوك
قال سعيد: الغيب إنما يعلمه غيرك
قال الحجاج: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى
قال سعيد بن جبير: لو علمت أن ذلك بيدك ما اتخذت إلهاً غيرك
قال الحجاج:فما قولك في الخلفاء ؟
قال سعيد بن جبير: لست عليهم بوكيل
قال الحجاج: فاختر أي قتلة تريد أن أقتلك
قال سعيد بن جبير: بل اختر يا شقي لنفسك ، فواللّه ما تقتلني اليوم بقتلة إلا قتلتك في الآخرة بمثلها ، وقال سعيد : إنني أعوذ منك بما عاذت مريم بنت عمران بالرحمن إن كنت تقيا
قال الحجاج : لأقتلنك
فأمر به الحجاج، فأخرج ليقتل، فلما ولى ضحك ، فأمر الحجاج برده، وسأله عن ضحكه، فقال: عجبت من جراءتك على اللّه وحلم الله عنك
فلما ذهب به للقتل قال دعوني أصلي ركعتين
قال الحجاج : وجهوا به القبلة واقتلوه
فلما فعلوا به ذلك قال سعيد :وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين
قال الحجاج : حولوا وجهه عن القبلة فحولوه وجهوه لقبلة النصارى
فلما وجه قال سعيد بن جبير : فأينما تولوا فثم وجه الله
فلما كبَّ لوجهه قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الحجاج غير مؤمن بالله ثم قال: اللهم لا تسلط الحجاج على أحد يقتله من بعدي.
قال رجل من حرس الحجاج أن سعيد بن جبير لما سقط رأسه إلى الأرض قال لا إله إلا الله ثلاث مرات قال مرتين كلاما بينا وقال الثالثة بلسان منكسر.
هذا هو المنهج الأول في توثيق المشهد الأخير في قصة سعيد بن جبير والحجاج .
المنهج الثاني في عرض المشهد الأخير:
قال الفضل بن سويد الضبي : دعاه الحجاج وأنا شاهد فأقبل يعاتبه معاتبة الرجل ولده (معرفة القرآء الكبار)
ثم أقبل عليه فقال الحجاج: يا سعيد، ما أخرجك على؟
فقال سعيد بن جبير: أصلح الله الأمير! إنما أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب مرة
قال: فطابت نفس الحجاج، وتطلق وجهه، ورجا أن يتخلص من أمره (تاريخ الرسل والملوك)
فقال له الحجاج: يا سعيد فعلت وفعلت ، حتى ظننت (الظن من الفضل بن سويد الضبي ) أنه سيخلي سبيله
قال الحجاج: أما قدمت الكوفة وَلَيْسَ يؤمّ بِهَا إلاّ أعرابيّ فجعلتك إماماً ؟
سعيد بن جبير : بلى
الحجاج: أما ولّيتك القضاء فضجّ أهل الكوفة وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربيّ فاستقضيتُ أبا بردة بن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك؟ يا شقي بن كسير ألم أولك القضاء فضج أهل الكوفة و قالوا لا يصلح القضاء إلا لعربي فاستقضيت أبا بردة و امرأته أن لا يقطع أمراً دونك ( البدء والتاريخ)
قال سعيد بن جبير: بلى.
قال الحجاج: أما أعطيتُك مائة ألف درهم تفرّقها عَلَى أهل الحاجة فِي أوّل مَا رأيتم؛ ثُمَّ لم أسألك عن شيء منها؟
سعيد بن جبير: بلى
قال الحجاج: أما جعلتك فِي سُمّاري وكلّهم رؤوس العرب؟
سعيد بن جبير: بلى
قال فما أخرجك عليّ؟
فانفلتت من سعيد كلمة فقال : إن ابن الأشعث عزم علي (معرفة القرآء الكبار)
وفي رواية قال سعيد بن جبير: بيعة كَانَتْ فِي عنقي لابن الأشعث!
فغضب الحجاج وانتفخ حتى سقط أحد طرفي ردائه عن منكبه (تاريخ الرسل والملوك)
فقال الحجاج : يا سعيد. ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير، ثم أخذت بيعة أهلها، وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك!
قال سعيد: بلى
قال الحجاج: ثم قدمت الكوفة والياً على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة، فأخذت بيعتك له ثانية!
قال سعيد بن جبير: بلى
قال الحجاج: فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين، وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك (تاريخ الرسل والملوك)
ثم قال الحجاج: الله أكبر حل دمك بيعة قبل بيعة أمير المؤمنين ؟(أخبار واسط) أفما كَانَ لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فِي عنقك بيعة من قبل؟ والله لأقتلنّك! يَا حرسيُّ اضربْ عنقه!
فاعتذر سعيد رحمه الله و تضرع و ترحمه بصغار بناته
فقال الحجاج : اختر أي قتلةٍ شئت
قال سعيد بن جبير :بل اختر أنت لنفسك فإن القصاص أمامك .
فقتله الحجاج ثم لم ينتفع بعده بعيش إلى أن مات.( البدء والتاريخ).
يمكننا أن نقول في الختام وبعد قراءة القصة من أولها إلى آخرها أن المنهج الثاني في توثيق المشهد الأخير يبدو اقرب إلى القبول والمنطق، فهو يقص مشهدا متسقا مع سياق القصة ومعاتبة كانت متوقعة من الحجاج ، ولكن هذا المنهج غير محبذ لدى من يرغبون دائما في تفضيل التشويق على التحقيق لأن المنهج الأول يستغل الصورة الذهنية الراسخة عن الحجاج وهي صورة الطاغية المستبد المتعطش لسفك الدماء دون سبب أو لأوهى سبب ، فيبدو أقرب للقبول لمن لا يريد أن يتعب نفسه بتتبع القصة من بداياتها .
أما الروايات الواردة على المنهج الثاني فتصور لنا الحجاج وقد بدأ يعاتب سعيدا حتى ظن الشاهد أنه سيعفو عنه ، ثم حدث التحول المفاجئ حين ورط سعيد بن جبير نفسه في تبرير مبايعته لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ولم يستطع أن يستند على حجة فقهية مقنعة في الخروج على بيعتين كان قد ألزم بهما نفسه تجاه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.
إن الرواية في المنهج الثاني تصور لنا الحجاج وهو يصدر قراره بإعدام سعيد بن جبير مستندا على تأويل لفقه البيعة ، وهي تصور لنا أيضا أن سعيد بن جبير وإن كان لم يتراجع أو يعتذر بشكل واضح فقد حاول أن يسترحم الحجاج ببناته الصغار.
طويت صفحة سعيد بن جبير في الحياة ولم تطو بالطبع من سجلات العلوم .
وظلت لسعيد بن جبير مكانته العلمية محفوظة ، وظلت سمعة الحجاج محفوظة كذلك .
وبقيت معضلة تكييف النهاية دون حل يغطيها ركام كثيف من الروايات البكائية التي تركز على المشهد الأخير بناءا على المنهج الأول الذي أشرنا إليه آنفا.
نعم ، ففي تقديري أن قصة الحجاج بن يوسف الثقفي وسعيد بن جبير تمثل مثالا نموذجيا لمعضلة العلاقة بين العالم والسلطة ، فالعالم له قبوله وله احترامه لدى العامة والخاصة ، لكنه حين يرضى لنفسه أن يقتحم غمار مسئوليات الدولة التنفيذية فإنه يصير حينئذ مسئولا مثله مثل غيره عن واجباته واستحقاقاته أمام من ليس بالضرورة عالما مثله ، وإن كان الحجاج بن يوسف الثقفي على شدته على درجة من العلم والمعرفة بالنصوص لا ينكرها إلا جاهل.
عمر سعيد بن جبير حين قتل : وله نحو من خمسين سنة (العبر)
قال محمد بن عبد الرحيم: سألت علياً عن سعيد بن جبير ؟ قال: قتل وهو ابن ثنتين وأربعين سنة ونحن نستبعد هذا لأنه يعني أن سعيد بن جبير كان عمره 16 عاما فقط حين توفي عبد الله بن عباس.(المعرفة والتاريخ)
و عَن واصل عَن عَبْد اللَّهِ بْن سعيد بْن جبير قَالَ: قتل أَبِي وله تسع وأربعون سنة.(أنساب الأشراف للبلاذري).
نماذج من أقوال العلماء في مقتل سعيد بن جبير:
كنت عند سعيد بن جُبير" سعيد بن جُبير من أكابر التابعين علماً وورعاً وفقهاً، وهو من تلاميذ ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قتله الحجّاج بن يوسف الثَّقفي قبل أن يبلغ الخمسين من عمره، وبقتله أُصيبت الأمة بفقد عالم من أجلِّ علمائها.(إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد)
و سعيد بن جبير شهيدا قتله الحجاج لعنه الله (تاريخ الخلفاء) ، وفي شعبان قتل الحجاج قاتله الله سعيد بن جبير الوالبي مولاهم الكوفي المقرىء الفقيه المفسر أحد الأعلام ( العبر)
هكذا هي النصوص المتواترة ، كلها تلعن الحجاج لأنه قتل سعيد بن جبير ولكن لا أحد يقول لك ماذا كان على الحجاج أن يفعل إزاء سعيد بن جبير بعد كل ما حدث بينها ، إنها حقا معضلة العلاقة بين العالم ورجل السلطة التنفيذية .
وبعد أيام من قتل سعيد بن جبير حانت لحظة الحجاج .
ماذا كان سبب موت الحجاج ؟ قيلت عدة روايات منها
1) مرض السل : ذكر أنه أخذه السل و هجره الرقاد فلما أحتضر قال لمنجم عنده هل ترى ملكاً يموت قال أرى ملكاً يموت اسمه كليب فقال أنا و الله الكليب بذلك سمتني أمي قال المنجم أنت و الله تموت كذلك دلت عليه النجوم قال له الحجاج لأقدمنك أمامي فأمره فضرب عنقه و مات الحجاج في ولاية الوليد بن عبد الملك بن مروان و قد بلغ من السن ثلاثاً و خمسين سنة و ولى الحجاز و العراق عشرين سنة و كان قتل من الأشراف و الرؤساء المذكورين مائة ألف و عشرين ألفاً صبراً سوى عوام الناس و من قتل في معارك الحروب و كان مات في حبسه خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة (البدء والتاريخ)
2) الكوليرا : قام أعشى همدان و هو غلام يومئذ حدث إلى علي عليه السلام و هو يخطب و يذكر الملاحم فقال يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة فقال علي عليه السلام إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف ثم سكت فقام رجال فقالوا و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين قال غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة إلا انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه فقالوا كم يملك يا أمير المؤمنين قال عشرين إن بلغها قالوا فيقتل قتلا أم يموت موتا قال بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد – شيعي)
وتقول الروايات أن خبر قتل سعيد بن جبير بلغ الحسن البصري فقال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج فما بقي إلا ثلاثة، وقع في جوفه الدود ومات.(بغية الطلب في تاريخ حلب)
عاش الحجاج خمس عشرة ليلة بعد قتله سعيد بن جبير وقعت الأكلة فى بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه، فلما نظر إليه دعى بلحم منتن، فعلقه فى خيط، ثم أرسله من حلقه وتركه ساعة ، ثم استخرجه وقد لزق به من الدم، فعلم أنه ليس بناج (مغاني الأخيار)
وواضح جدا الواضح المبالغة في أعداد الذين قتلهم الحجاج وتقديرهم بمائة وعشرون ألفا عدا الذين قتلهم في المعارك ، فقد حكم الحجاج العراق لمدة 20 عاما وهذا يعنى أن عدد الذين كان يقتلهم صبرا في حدود 16 شخصا يوميا ، فهل يعقل ذلك ؟ بل إن عبارة الذين قتلهم في المعارك تجعل الحجاج مسئولا عن جميع قتلى معاركه بصفته الشخصية !!
وتمثل كل الروايات والنصوص التي تصب اللعنات على الحجاج بسبب قتله سعيد بن جبير معضلة فقهية تبقى دون حل ، لأنه ما من أحد يخبرنا عن الرأي الفقهي الصريح في تمرد الجيش الذي قاده عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ولا عن حدود مسئولية شخص مثل سعيد بن جبير في ذلك التمرد وما تلاه من تنقله في البلدان وعدم طلب العفو أو حتى محاولة الوصول لتسوية لوضعه بطريقة شرعية واضحة مع السلطة الحاكمة ، وهذا يقودنا بدوره إلى سؤال معضل : هل تكفي العالم أو الفقيه سلطته المعنوية المكتسبة من فقهه وورعه وسمعته وغيرها لأن تحول بينه وبين المساءلة والمحاسبة فيكون ميزانه مختلفا عن باقي الناس؟
بل لعل عقل الإنسان المسلم العادي مثلي يصاب بالرهق والحيرة وهو يطالع النصوص العديدة وهي تصف موت الحجاج وكأنه استجابة لأدعية الصالحين وعقوبة عاجلة له لقتله سعيد بن جبير بغض النظر عن الحيثيات والوقائع السابقة بينهما ، بل تبلغ الحيرة مداها وهو يطالع النصوص التي تصور الحجاج بن يوسف الثقفي نادما وهو يهذي في مرض موته : مالي ولسعيد بن جبير ... مالي ولسعيد بن جبير !!
على ماذا ندم الحجاج ؟ أندم على أنه ظلم سعيد بن جبير بالرغم من أنه استند على فقه شرعي في إصدار الحكم بالقتل ضد سعيد بن جبير ؟ أم أنه ندم لأنه لم يعف عنه لأن السنوات قد مرت وهدأت نيران الغضب وقد استرحمه ببناته الصغيرات بعد طول تنقل في البلدان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبووردة
مشرف سابق
مشرف سابق
أبووردة


عدد الرسائل : 2580
1 : الحجاجون والجبيريون 161
تاريخ التسجيل : 15/05/2009

الحجاجون والجبيريون Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحجاجون والجبيريون   الحجاجون والجبيريون I_icon_minitimeالجمعة مايو 06, 2011 5:03 am

فلسفة الحجاج تجاه الموت
أرجف الناس بموت الحجاج فخطب الحجاج وقال: إن طائفة من أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم فقالوا مات الحجاج ومات الحجاج فمه، وهل يرجو الحجاج الخير إلاّ بعد الموت، والله ما يسرُّني أن لا أموت وأنّ لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رضي التخليد إلاّ لأهون خلقه عليه: إبليس حيث قال: إنك من المنظرين، فأنظره إلى يوم الدين ولقد دعا الله العبد الصالح فقال: هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، فأعطاها الله البقاء فما عسى أن يكون أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، كأني والله بكل حيٍّ مني ومنكم ميتاً وبكل رطب يابساً ، ثم نقل في ثياب أكفانه إلى ثلاثة أذرع طولاً في ذراع عرضاً فأكلت الأرض لحمه ومصَّت صديده وانصرف الحبيب من ولده فقسم الحبيب من ماله. إن الذين يعقلون يعقلون ما أقول ثم نزل (الوافي بالوفيات)
فلسفة الحجاج تجاه الصدق والكذب :
راجع قصتة الحجاج مع الشعبي في الحلقة رقم (5) ، وكيف أن كان يعفو عن كثير من الناس لأنهم كانوا صادقين ولم يخفوا عداوتهم وكرههم له ، وهذا يعني أن العداوة والكره كانت بنظره لا تستحق العقاب إلا إذا تحولت إلى عمل مسلح ضد الدولة.
من أدعية الحجاج في مرض موته :
يا ربِّ قد حلف الأعداء واجتهدوا ... ... بأنني رجل من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ... ... ما علمهم بعظيم العفو غفار
وقال محمد بن المنكدر: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجّاج فنفس عليه بكلمةٍ قالها عند الموت: اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل.(الوافي بالوفيات)
مات الحجاج فقيرا :
ولم يخلِّف الحجاج لما مات غير ثلاثمائة درهم ومصحفاً وسيفاً وسرجاً ورحلاً. وكان يقول عند احتضاره: ما لي ولك يا سعيد بن جبير. ولما مات لم يعلم بموته أحد، حتى أشرفت جاريةٌ فقالت: ألا إن مطعم الطَّعام ومفلَّق الهام وسيد أهل الشام قد مات (الوافي بالوفيات)
وصية الحجاج :
بعث إلي المنصور أبو جعفر فقال: حدثني بوصية الحجاج بن يوسف، فقلت: أعفني يا أمير المؤمنين، قال حدثني بها، فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك عليها يحيى، وعليها يموت، وعليها يبعث وأوصى بتسعمائة درع حديد: ستمائة منها لمنافقي أهل العراق يغزون بها، وثلاثمائة للترك.
قال: فرفع أبو جعفر رأسه إلى العباس الطوسي، وكان قائما على رأسه، فقال: هذه والله الشيعة لا شيعتكم.(بغية الطلب في تاريخ حلب)
أم كلثوم حفيدة فاطمة الزهراء كانت من زوجات الحجاج :أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر، وأمها زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأم زينب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جمهرة أنساب العرب لابن حزم)
أراد عبد الله بن جَعْفَر أن يزوج الحجاج، فأرسل إلى عمر بن علي ابن أبي طالب أن أحضر حَتَّى تزوجه؟! فأرسل إِلَيْهِ عمر: أن أخر ذَلِكَ إلى الليل فإني أكره أن يراني الناس فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزوج الحجاج!! فأرسل إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يبق أحد يستحيا منه، ولو كان أحد يستحيا مِنْه لَمْ نفعل هَذَا!!! قَالَ: وَكَانَ عمر ذا عقل ونبل (أنساب الأشراف للبلاذري)
الخارطة الزمنية للأحداث
الحجاجون والجبيريون 2iats85
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحجاجون والجبيريون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عاصمة الحديد والنار :: قـــسم الأدب والقصص والروايات :: منتدي القصص والروايات-
انتقل الى: