أنجزت توثيق شهادات أبناء شقيقي الأكبر مدثر ( أبو مجتبي ) في السفارة
السعودية , وعادتي لا أطعم نفسي او أشربها حتي أنجز مهامي , فظللت في الطابور وقد وصل ذلك للساعة الواحدة أو الثانية ظهرا" تقريبا" ..
وفعلا" بعد تسليمي للشهادات وأخذ الإيصال , وبعد خروجي من السفارة السعودية بالعمارات , وأثناء مروري فإذا البيوت القريبة منها , تشبه بيوت ( الخواجات ) ذات حائط و جدار قصير , ثم الحديقة تلي ذلك , ثم تجد البناء بعيدا" عن البوابة , فلمحت طفلا" في التاسعة من عمره تقريبا" قرب باب بيتهم
فطلبت منه : جيب موية ياولد ..
وبسرعة البرق جري ذلكم الطفل , فعلمت أن به خيرا" كثيرا" , فأسعدني ذلك , وأحضر لي ( جك زجاج ) به ماء يحمله في اليمني وكوب ماء زجاج أيضا" , فوصلني تماما" ...
فإذا به وأنا نسمع صوتا" ...
لكني رأيت شبح إمرأة من بعيد , داخل منزلهم ...فالصوت يأتي من منزله .
والصوت ينادي بأعلي صوت , ونحن في الخارج , وكلانا سمعه ..
الصوت : ياولد ماشي وين ؟
الطفل : يمة ده راجل برة قال داير موية ..
الأم : ياولد تعال , بلا راجل بلا موية ,, أسة إنت عارفو مرضان واللا مامرضان ,,
فنظر لي , ولسان حاله يقول , أسه أنا أسوي شنو !!
وأنا أنظر إليه ولسان حالي يقول : خوفي عليك من التربية فدواخلك عظيمة
وأمك لا تعينك ..فأنظر للجك نظرة ثانية" , فإذا الندي من الخارج يعكس مابالدواخل , فالماء عذب بارد كأنه يعلم حوجتي له ويناديني ..
وهو يقدم لي الماء وجدت نفسي بين نزاعين , آأمسك الجك وأطفئ ظمأي , أم أفضل أن يكون الإبن مطيعا" لأمه ويسمع كلامها ..
ومرت حدود ال10 ثواني . كل منا له حديث نفس ,,فهو ينظر لي , وتلاقت نظراتنا .. فكانت ( لغة عيون ) ..وكانه يقول لي : ماذا أفعل ؟فأنا أريد أن أسقيك وأمي لاتريدني أن أسقيك ....!!
ومتأكد لو أخذت ( الجك ) منه وشربت , لرضي , ولما شارك في عصيان أمه .. فقط يريدني أن أفعلها ..
وآخيرا" إخترت وقلت له : إسمع كلام أمك ..
وفعلا" رجع لداخل بيته حاملا" ( الجك ) , فلم أشرب منه ..
فقد آثرت أن ينشأ هذا الإبن مطيعا" لأمه , فهو خير له وأفضل , لكنني رثيت لحال تلك الأم ( والذي نفسي بيده ) , أردت لها خيرا" , ولو كانت متيقنة بأني مريض مرض معدي وسقتني ورمت ( الجك ) بعد ذلك لكان خيرا" لها ....
فرحلت ...
وحادثة ثانية كنت أنا وأبي ( حفظه الله ) وشقيقي ( عمر ) كنا بأحد أقسام مستشفي بحري , فغادرنا الوالد للحظة وبعد أن عاد ,, قال لي بكل دهشة : تخيل في زول منعني ( الموية )
أنا ( في تعجب ) : منعك الموية !!وينو ؟؟
وقادني لمكتب كبير لموظف كبير علمت فيما بعد أنه رئيس قسم الحسابات
ورايت ( صبارة الموية ) قابعة قرب مدخل مكتبه علي يمينك ..
فسألته بتعجب : إنت منعت الراجل ( الشيبة ) ده الماء ..!!
فأجاب : أنا مامنعتو ..
فتدخل الوالد : قلتلو داير موية , قال لي : أمشي أشرب من ( المزيرة ) جنب الكشك ( البوفيه ) , فذهبت ولم أجد به مويه , فعدت له وقلت له : مافيهو مويه ..فقال لي ثانية" : أمشي جنب البوابة , في ( سبيل ) أشرب منو , فذهبت وفي نيتي , بس دار أشوف آخرو , وفعلا" لسوء حظ الموظف
, لم أجد بها ماء ..
فعدت له وقلت له : مافيهو مويه برضو .. ليه ماتديني من مويتك دي !!
فأجاب للوالد : دي مافيها ..
فقلت له : فيها , وشفتك تشرب !!
وهنا وعندما قال الوالد ذلك , كأنه ( صبت فيه المطروعلي رأسه الطير ) وتغير وجهه خجلا" ,, وسمع زملاؤه الضجة وتجمعوا أمام باب مكتبه ,,
فسألته : تمنع راجل كبير مويه !! أسه ده لو أبوك بترضي يمنعوه ؟
أسه الراجل ده عندو ( سكري ) ومابيتحمل العطش ..تمنعو !!
ياخي إنت ماعارف ( أفضل الصدقة السقيا ) ؟؟
ياخي الناس من السعودية ومن وين ووين يرسلو ( الكولرات ) صدقة لرقبتهم , تمنع المويه !! أنا ماشفت زول بيمنع المويه ( لكنني تذكرت ولد العمارات ) وعرفت إنه يوجد ناس يمنعون الماء , فزال عجبي ..
وأضفت له : أنت المويه دي ضاربك فيها ( حجر دغش ) .؟؟ إنت تعبان فيها ؟؟ مش بيجهزها ليك العامل..؟؟
وسكت , وقال : أنا قلت ليهو دي مافيها ..
فرد أبي : شفتك بتشرب .
فزدته : إنت لو خجلان تدي زول منها ,, ختها جنبك , تحت , بحيث إنو مافي زول يشوفك ..
و كلنا عجب , أنا وأبي وهو( هو تفاجأ من كشف أمره ومن حديثي في العمق معه ) وزملاؤه كذلك كلهم عجب ..( فلم يعلق أحد )..
فخرج جمعنا ..
قارنت ذلك ببغي بني إسرائيل , تلكم المرأه ( الزانية ) التي دخلت الجنة بسقيها للكلب الذي يلهث من العطش , فنزلت البئر من أجله ...وذلكم الرجل الذي دخل الجنة أيضا" بسقيه للكلب ونزل البئر أيضا" وملأ خفه بالماء للكلب , وكررها حتي روي الكلب ,
وتذكرت وقارنت هؤلاء بتلكم المرأة التي دخلت النار في هرة , لا هي أطعمتها ولا هي سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ..
وفي درس بالمسجد بعد العصر يوما", ذكر لنا شيخ مصري , بحديث قدسي ذكره الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :-
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : ياابن آدم مرضت فلم تعدني , قال : يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا" مرض فلم تعده , أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
ياابن آدم اطعمتك فلم تطعمني , قال : يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين , قال : أما علمت أنه استطعمك فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟
ياابن آدم استسقيتك فلم تسقني , قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه , أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ؟ ))
( رواه مسلم )
فعلمت حينها وأنا في الدرس أنه يمكنك أن يستسقيك الله تعالي في صورة عبده وأن يستطعمك وان تعوده كذلك , وذلك إذا ما أحسنت لعبده بزيارته في مرضه أو أطعمته أو سقيته ,,,
وعلمت أيضا" أن إمرأة ( العمارات ) جاءتها فرصة سانحة وأمام بيتها , وأن ربها الذي خلقها إستسقاها فلم تسقه , وضيعت فرصتها التي جاءتها أمام بيتها ...
ورأيت ذات يوم من يعرف قيمة الإطعام وإفطار الصائم , ذات يوم ونحن في الحرم المكي والناس صيام , فالدنيا رمضان , فكيف بذلك الأخ السعودي والحريص علي الخير , وما أن أذن آذان المغرب إلا وحمل 3 تمرات وبسرعة البرق وضع واحدة" في فمي ويدي تحمل تمرة ومتوجهة لفمي , فباغتتني تمرته في فمي فأفطرت بها والأخري رحلت في فم جاري العراقي الذي كان يجلس بجواري ولم يدرك الثالث بجوارنا فأعطاها له في يده ,, فسؤالي : ما الذي يجبره علي ذلك ؟؟
وعلمت أيضا" لماذا كانت أمنا ( السيدة عائشة ) رضي الله عنها تعطر الدينار بالمسك فبل أن تعطيه السائل , فيقولون لها : هذا مسكين , محتاج لايفرق بين هذا أو ذاك ,, ويرضيه القليل ,,
فتجيب ( رضي الله عنها وأرضاها ) : لا تعلمون في يد من أضعها !!